تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٤٨
الشيطان أدنى وسوسة. قال سعيد بن المسيب: شهدت عثمان وعليا وكان بينهما نزغ من الشيطان فما أبقى واحد منهما لصاحبه شيئا، ثم لم يبرحا حتى استغفر كل واحد منهما لصاحبه. ومعنى (ينزغنك): يصيبنك ويعرض لك عند الغضب وسوسة بما لا يحل.
(فاستعذ بالله) أي اطلب النجاة من ذلك بالله. فأمر تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به، ولله المثل الأعلى. فلا يستعاذ من الكلاب إلا برب الكلاب. وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال: أجاهده.
قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنع من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي.
قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك.
الثانية - النغز والنزغ والهمز والوسوسة سواء، قال الله تعالى: " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين (1) " وقال: " من شر الوسواس الخناس (2) ". وأصل النزغ الفساد، يقال: نزغ بيننا، أي أفسد. ومنه قوله: " نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي (3) " أي أفسد.
وقيل: النزغ الإغواء والإغراء، والمعنى متقارب.
قلت: ونظير هذه الآية ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته). وفيه عن عبد الله قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: (تلك محض الإيمان). وفي حديث أبي هريرة: (ذلك صريح الإيمان) والصريح الخالص. وهذا ليس على ظاهره، إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان، لأن الإيمان اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم. فكأنه قال جزعكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه، لصحة إيمانكم، وعلمكم بفسادها. فسمى الوسوسة إيمانا لما كان دفعها والإعراض عنها والرد لها وعدم قبولها

(1) راجع ج 12 ص 148.
(2) راجع ج 20 ص 261.
(3) راجع ج 9 ص 264.
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»