تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٥١
ولو استرشدتنا أرشدناك. فتوسم في الندم على ما فرط مني فقال: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (1) " أمن أهل الشأم أنت؟ قلت نعم. فقال:
* شنشنة أعرفها من أخزم (2) * حياك الله وبياك، وعافاك، وآداك (3)، انبسط (4) إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدنا عند أفضل ظنك، إن شاء الله. قال عصام: فضاقت علي الأرض بما رحبت، ووددت أنها ساخت بي، ثم تسللت منه لواذا (5)، وما على وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه.
قوله تعالى: (وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون) قيل: المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين في الغي. وقيل للفجار إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم. وقد سبق فهذه الآية ذكر الشيطان. هذا أحسن ما قيل فيه، وهو قول قتادة والحسن والضحاك ومعنى " لا يقصرون " أي لا يتوبون ولا يرجعون. وقال الزجاج:
في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي، لأن الكفار إخوان الشياطين. ومعنى الآية: إن المؤمن إذا مسه طيف من الشيطان تنبه عن قرب، فأما المشركون فيمدهم الشيطان.
و " لا يقصرون " قيل: يرجع إلى الكفار على القولين جميعا. وقيل: يجوز أن يرجع إلى الشيطان.
قال قتادة: المعنى ثم لا يقصرون عنهم ولا يرحمونهم. والإقصار: الانتهاء عن الشئ، أي لا تقصر الشياطين في مدهم الكفار بالغي. وقوله: " في الغي " يجوز أن يكون متصلا بقوله:

(1) راجع ج 9 ص 255 فما بعد.
(2) الشنشة (بكسر الشين): العادة والطبيعة. قال الأصمعي:
وهذا بيت رجز تمثل به لأبي أخزم الطائي وهو: * إن بنى زملوني بالدم * شنشة أعرفها من أخزم * من يلق آساد الرجل يكلم * قال ابن بري: وكان أخزم عاقا لأبيه، فمات وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه، فقال ذلك، أي إنهم أشبهوا أباهم في العقوق.
(3) قوله: حباك الله وبياك، أي ملك واعتمدك بالتحية. وبياك: معناه وبوأك منزلا، إلا أنها لما جاءت مع حياك تركت همزتها وقلبت واوها ياء... وآداك: فواك وأعانك.
(4) الانبساط: ترك الاحتشام.
(5) اللواذ: الاستتار.
(٣٥١)
مفاتيح البحث: الشام (1)، الضلال (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»