تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٨
ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره، ذكره الجوهري. وقيل: أراد بالرحمة هنا المطر، قاله الأخفش. قال: ويجوز أن يذكر كما يذكر بعض المؤنث. وأنشد:
فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها (1) وقال أبو عبيدة: ذكر " قريب " على تذكير المكان، أي مكانا قريبا. قال علي بن سليمان:
وهذا خطأ، ولو كان كما قال لكان " قريب " منصوبا في القرآن، كما تقول: إن زيدا قريبا منك. وقيل: ذكر على النسب، كأنه قال: إن رحمة الله ذات قرب، كما تقول: امرأة طالق وحائض. وقال الفراء: إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر مؤنث، إن كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم. تقول: هذه المرأة قريبتي، أي ذات قرابتي، ذكره الجوهري. وذكره غيره عن الفراء: يقال في النسب قريبة فلان، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث، يقال: دارك منا قريب، وفلانة منا قريب، قال الله تعالى: " وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا (2) ". وقال من احتج له: كذا كلام العرب، كما قال امرؤ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم * قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا قال الزجاج: وهذا خطأ، لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما.
قوله تعالى: وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون (57) قوله تعالى: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) عطف على قوله: " يغشي الليل النهار ". ذكر شيئا آخر من نعمه، ودل على وحدانيته وثبوت إلهيته. وقد مضى الكلام

(1) البيت لعامر بن جوين الطائي. وصف أرضا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث. والودق: المطر.
والمزنة: السحابة (عن شرح الشواهد).
(2) راجع ج 14 ص 248.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»