تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٢
قوله تعالى: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (59) قوله تعالى: (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله) لما بين أنه الخالق القادر على الكمال ذكر أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار. واللام في " لقد " للتأكيد المنبه على القسم. والفاء دالة على أن الثاني بعد الأول. " يا قوم " نداء مضاف. ويجوز " يا قومي " على الأصل. ونوح أول الرسل إلى الأرض بعد آدم عليهما السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات. قال النحاس: وانصرف لأنه على ثلاثة أحرف. وقد يجوز أن يشتق من ناح ينوح، وقد تقدم إن في " آل عمران (1) " هذا المعنى وغيره فأغنى عن إعادته.
قال ابن العربي: ومن قال إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم. والدليل على صحة وهمه الحديث الصحيح في الإسراء حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس فقال له آدم:
(مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح). وقال له إدريس: (مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح). فلو كان إدريس أبا لنوح لقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. فلما قال له والأخ الصالح دل ذلك على أنه يجتمع معه في نوح، صلوات الله عليهم أجمعين. ولا كلام لمنصف بعد هذا. قال القاضي عياض: وجاء جواب الآباء ها هنا كنوح وإبراهيم وآدم (مرحبا بالابن الصالح). وقال عن إدريس (بالأخ الصالح) كما ذكر عن موسى وعيسى ويوسف وهارون ويحيى ممن ليس بأب باتفاق للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال المازري: قد ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح عليهما السلام. فإن قام الدليل على أن إدريس بعث أيضا لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح، لما أخبر عليه السلام من قول آدم أن نوحا أول رسول بعث، وإن لم يقم دليل جاز ما قالوا: وصح أن يحمل أن إدريس كان نبيا غير مرسل. قال القاضي عياض:
قد يجمع بين هذا بأن يقال: اختص بعث نوح لأهل الأرض - كما قال في الحديث - كافة كنبينا عليه السلام. ويكون إدريس لقومه كموسى وهود وصالح ولوط وغيرهم. وقد استدل

(1) راجع ج 4 ص 62.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»