عقابه وانتقامه من الكافرين ونصره للمؤمنين وما حكم به وقدره من أفعاله. ومن ذلك قوله تعالى: " حتى إذا جاء أمرنا (1) " وقال عز وجل: " وما أمر فرعون برشيد " يعني به شأنه وأفعال وطرائقه. قال الشاعر:
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت * بأخفافها مرعى تبوأ مضجعا الثانية - وإذا تقرر هذا فأعلم أن الأمر ليس من الإرادة في شئ. والمعتزلة تقول:
الأمر نفس الإرادة. وليس بصحيح، بل يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد. ألا ترى أنه أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه، وأمر نبيه أن يصلي مع أمته خمسين صلاة، ولم يرد منه إلا خمس صلوات. وقد أراد شهادة حمزة حيث يقول: " ويتخذ منكم شهداء (2) ". وقد نهى الكفار عن قتله ولم يأمرهم به. وهذا صحيح نفيس فبابه، فتأمله.
قوله تعالى: (تبارك الله رب العالمين) " تبارك " تفاعل، من البركة وهي الكثرة والاتساع. يقال بورك الشئ وبورك فيه، قال ابن عرفة. وقال الأزهري: " تبارك " تعالى وتعاظم وارتفع. وقيل: إن باسمه يتبرك ويتيمن. وقد مضى في الفاتحة معنى " رب العالمين (3) " قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ادعوا ربكم) هذا أمر بالدعاء وتعبد به. ثم قرن جل وعز بالأمر صفات تحسن معه، وهي الخشوع والاستكانة والتضرع. ومعنى " خفية " أي سرا في النفس ليبعد عن الرياء، وبذلك أثنى على نبيه زكريا عليه السلام إذ قال مخبرا عنه:
" إذ نادى ربه نداء خفيا (4) ". ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي). والشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر.