تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٤
وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة (1) ". قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. وذلك أن الله تعالى يقول:
(ادعوا ربكم تضرعا وخفية). وذكر عبد ا صالحا رضي فعله فقال: " إذ نادى ربه نداء خفيا ". وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذا على أن إخفاء " آمين " أولى من الجهر بها، لأنه دعاء. وقد مضى القول فيه في " الفاتحة (2) ". وروى مسلم عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر - وفي رواية في غزاة - فجعل الناس يجهرون بالتكبير - وفي رواية فجعل رجل كلما علا ثنية قال: لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس اربعوا (3) على أنفسكم إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم). الحديث.
الثانية - واختلف العلماء في رفع اليدين في الدعاء، فكرهه طائفة منهم جبير بن مطعم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير. ورأى شريح رجلا رافعا يديه فقال: من تتناول بهما، لا أم لك! وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم: قطعها الله. واختاروا إذا دعا الله في حاجة أن يشير بأصبعه السبابة. ويقولون: ذلك الإخلاص. وكان قتادة يشير بأصبعه ولا يرفع يديه. وكره رفع الأيدي عطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم. وروى جواز الرفع عن جماعة من الصحابة والتابعين، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره البخاري. قال أبو موسى الأشعري: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه. ومثله عن أنس.
وقال ابن عمر: رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد (4).
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله

(1) راجع ج 3 ص 332.
(2) راجع ج 1 ص 127.
(3) أي أرفقوا بها ولا تبالغوا في الجهد.
(4) هو خالد بن الوليد، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بنى جذيمة داعيا إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر. فنقم النبي صلى الله عليه وسلم على خالد استعجاله في شأنهم وترك التثبت في أمرهم. راجع كتاب المغازي في صحيح البخاري.
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»