تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٦٢
الثانية - قوله تعالى: (ولا تتبعوا من دونه أولياء) " من دونه " من غيره. والهاء تعود على الرب سبحانه، والمعنى: لا تعبدوا معه غيره، ولا تتخذوا من عدل عن دين الله وليا.
وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه. وروي عن مالك بن دينار أنه قرأ " ولا تبتغوا من دونه أولياء " أي ولا تطلبوا. ولم ينصرف " أولياء " لأن فيه ألف التأنيث.
وقيل: تعود على " ما " من قوله: " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ". (قليلا ما تذكرون) " ما " زائدة. وقيل: تكون مع الفعل مصدرا.
قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين قوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها) " كم " للتكثير، كما أن " رب " للتقليل. وهي في موضع رفع بالابتداء، و " أهلكنا " الخبر. أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها. ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدر قبلها، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ويقوي الأول قوله: " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح (1) " ولولا اشتغال " أهلكنا " بالضمير لانتصب به موضع " كم ". ويجوز أن يكون " أهلكنا " صفة للقرية، و " كم " في المعنى هي القرية، فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم.
يدل على ذلك قوله تعالى: " وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا " فعاد الضمير على " كم ". على المعنى، إذ كانت الملائكة في المعنى. فلا يصح على هذا التقدير أن يكون " كم " في موضع نصب بإضمار فعل بعدها.
" فجاءها بأسنا " فيه إشكال للعطف بالفاء.
فقال الفراء: الفاء بمعنى الواو، فلا يلزم الترتيب. وقيل: أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، كقوله: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (2) ". وقيل: إن

(1) راجع ج 10 ص 235 وص 174.
(2) راجع ج 17 ص 103.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»