تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٥٨
صلى الله عليه وسلم قال لأبي: (ابنك هذا)؟ قال: إي ورب الكعبة. قال: (حقا). قال:
أشهد به. قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكا من ثبت (1) شبهي في أبي، ومن حلف أبي علي. ثم قال: (أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه). وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا تزر وازرة وزر أخرى ". ولا يعارض ما قلناه أولا بقوله: " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم (2) "، فإن هذا مبين في الآية الأخرى قوله: " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم (3) ". فمن كان إماما في الضلالة ودعا إليها واتبع عليها فإنه يحمل وزر من أضله من غير أن ينقص من وزر المضل (4) شئ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجت ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغور رحيم (165) قوله تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " خلائف " جمع خليفة، ككرائم جمع كريمة. وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة. أي جعلكم خلفا للأمم الماضية والقرون السالفة. قال الشماخ:
تصيبهم وتخطئني المنايا * وأخلف في ربوع عن ربوع (ورفع بعضكم فوق بعض) في الخلق والرزق والقوة والبسطة والفضل والعلم. (درجات) نصب بإسقاط الخافض، أي إلى درجات. (ليبلوكم) نصب بلام كي. والابتلاء الاختبار، أي ليظهر منكم ما يكون غايته الثواب والعقاب. ولم يزل بعلمه غنيا، فأبتلي الموسر: بالغني وطلب منه الشكر، وأبتلي المعسر بالفقر وطلب منه الصبر. ويقال: " ليبلوكم " أي بعضكم ببعض. كما قال: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة (2) " على ما يأتي بيانه. ثم خوفهم

(1) كذا في الأصول أي استقرار وفى سنن أبي داود: بين.
(2) راجع ج 13 ص 330. وص 12.
(3) راجع ج 10 ص 96.
(4) في ك: المظلين.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»