تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٨٥
إلى آية 73] ولما وصفهم بالتزكية التامة والفناء عن جميع صفات النفس من الرذائل المذيقة المورطة في عذاب جهنم الطبيعة ومستقر السوء والعاقبة الوخيمة عقب وصفهم بالتحلية التامة من الاتصاف بجميع أجناس الفضائل الأربع، وذلك هو حياتهم بالقلب بعد موتهم عن النفس، كما قيل: مت بالإرادة تحيا بالطبيعة، فالقوام بين الإسراف والإقتار في الإنفاق هو العدل والتوحيد المشار إليه بقوله:
* (لا يدعون مع الله إلها آخر) * هو أساس فضيلة الحكمة الذي إذا حصل وقع ظله الذي هو العدل في النفس فاتصفت بجميع أنواع الفضائل، والامتناع عن قتل النفس المحرمة إشارة إلى فضيلة الشجاعة، والامتناع عن الزنا فضيلة العفة. ثم ذكر من في مقابلتهم من المحجوبين من فيض الرحمة الرحيمية التي في ضمن الرحمانية الذين لا يستعدون لقبول عموم فيضه فلا يختصون به وإن كانوا لا يخلون من فيضه الظاهر الشامل للكل فقال: * (ومن يفعل ذلك) * أي: يرتكب جميع أجناس الرذائل حتى الشرك بالله * (يلق) * جزاء الإثم الكبير المطلق، وهو مضاعفة العذاب الروحاني والجسماني بالاحتجاب الكلي وهيئات الهيكل السفلي * (يوم القيامة) * الصغرى والخلود فيه على غاية الهوان.
* (إلا من تاب) * رجع إلى الله وتنصل عن المعاصي فبدل الشرك بالإيمان واستبدل الرذائل بالفضائل * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * بمحو الهيئات عن نفوسهم وإثبات هذه * (وكان الله غفورا) * يستر صفات نفوسهم بنوره * (رحيما) * يفيض عليهم الكمالات بجوده، وهذه هي التوبة الحقيقية. ثم بين بعد ذكر التوبة الحقيقية حال أهل السلوك فقال: * (والذين لا يشهدون الزور) * أي: لا يحضرون أهل الزور المشتغلين بمتاع الغرور، فإن أهل الدنيا أهل الزور يحسبون الفاني باقيا والقبيح حسنا ويعدون المعدوم موجودا، والشر خيرا، فهم الكذابون المبطلون، الخاطئون، أي: يعتزلونهم بملازمة الخلوات وإيثار الطاعات وإقام الصلاة.
* (وإذا مروا باللغو) * أي: الفضول غير الضرورية تركوها وأعرضوا عنها * (ومروا) * بها مكرمين أنفسهم عن مباشرتها، قانعين بالحقوق عن الحظوظ وهم الزاهدون
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»