التأثير فيناسبه ولم يكن قاهر غيره فيشاركه على حالهم أو للبناء على تأويلهم بالقوى النفسانية المقهورة هناك، المعذبة بالرياضة، والله أعلم.
تفسير سورة الفرقان من [آية 27 - 32] تثبيت فؤاده عليه السلام بالقرآن هو أنه لما رد في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد يظهر نفسه وقتا غب وقت على قلبه بصفاتها، ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قوله: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * [الحج، الآية: 52]، وفي قوله: * (عبس وتولى 1) * [عبس، الآية: 1] فكان يتداركه الله تعالى بإنزال الوحي والجذبة ويؤدبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب، كما قال عليه السلام: ' أدبني ربي فأحسن تأديبي '. وقال صلى الله عليه وسلم:
' إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة ' حتى يتمكن ويستقيم. وكان سبب ظهور ابتلاء الله تعالى إياه بالدعوة لإيذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له، والحكمة في الابتلاء أمران، أحدهما: راجع إليه، وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيلاء الأعداء المختلفين في النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها فيؤدبه الله بحكمة وجوب كل صفة وفضيلة كل قوة، فيحصل له جميع مكارم الأخلاق وكمالات جميع الأنبياء كما قال عليه السلام: ' بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وأوتيت جوامع الكلم '.
فإن ظهوره بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها، إذ لولا الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس لما استعد لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها. والثاني: راجع إلى الأمة، فإنه رسول إلى الكل واستعداداتهم متباينة، ونفوسهم في الصفات متفاوتة. فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم والكلم والفضائل والأخلاق ليهدي كلا منهم بما يناسبه من الحكمة، ويزكيه بما يليق به من الخلق، ويعلمه ما ينتفع به من العلم على حسب استعداداتهم وصفاتهم وإلا لم يمكنه دعاء الكل. فعلى هذا كون التنزيل مفرقا منجما إنما يكون بحسب اختلاف صفات نفسه في الظهور منها على أوقاته موجبا لتثبت قلبه في الاستقامة في السلوك إلى الله، وفي الله عند الاتصاف بصفاته، ومن الله في هداية الخلق، وتلك هي الاستقامة