تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٩
سورة الهمزة بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الهمزة من [آية 1 - 3] * (ويل لكل همزة لمزة) * أي: الذي تعود بالرذيلتين وضري بهما، فإن هذه الصيغة للعادة. والهمز أي: الكسر من أعراض الناس، واللمز أي: الطعن فيهم، رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها فينسب العيب والرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم ولا يشعر أن ذلك عين الرذيلة وأن عدم الرذيلة ليس بفضيلة، فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية. ثم أبدل منه الوصف برذيلة القوة الشهوانية بقوله: * (الذي جمع مالا وعدده) * وفي * (عدده) * إشارة أيضا إلى الجهل لأن الذي جعل المال عدة للنوائب لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب لاقتضاء حكمة الله تفريقه بالنائبات فكيف يدفعها وكذا في قوله:
* (أيحسب أن ماله أخلده) * أي: لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية ولكنه مخدوع بطول الأمل مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل، والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية أصل جميع الرذائل ومستلزم لها فلا جرم أنه يستحق صاحبها المغمور فيها العذاب الأبدي المستولي على القلب المبطل لجوهره.
تفسير سورة الهمزة من [آية 4 - 9] * (كلا) * ردع عن حسبان وقوع الممتنع * (لينبذن) * أي: ليسقطن عن مرتبة فطرته إلى رتبة الطبيعة الغالبة وهي الحطمة التي عادتها كسر كل ما وقع في رتبتها باستيلاء قوتها عليه وهي النار الروحانية المنافية لجوهر القلب المؤلمة له إيلاما لا يوصف كنهه المستعلية عليه النافذة في أشرف وجهه وباطنه، وأعلاه الذي هو الفؤاد المتصل بالروح.
* (إنها عليهم مؤصدة) * أي: مطبقة مغلقة الأبواب لاحتجاب القلب في محلها بالمواد الجسمانية واستحكام الهيئات المظلمة واللواحق الهيولانية والصور البهيمية والسبعية والشيطانية فيه، وامتناع تخلصه منها إلى عالم القدس * (في عمد ممددة) * من محيط فلك القمر إلى المركز وهي الطبائع العنصرية التي صار مربوطا بها بالتعلق وسلاسل الميل والمحبة، والله أعلم.
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»