تفسير سورة المنافقون من [آية 9 - 11] * (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) * إن صدقتم في الايمان، فإن قضية الإيمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة الله فتحتجبوا بهم عنه فتصيروا إلى النار فتخسروا نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعا، وتجردوا عن الأموال بإنفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها ليكون فضيلة في أنفسكم وهيئة نورية لها، فإن الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرد في النفس. فأما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له إلا التحصر والتندم وتمنى التأخير في الأجل بالجهل فإنه لو كان صادقا في دعوى الإيمان وموقنا بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري وأنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره * (والله خبير) * بأعمالكم ونياتكم فلا ينفع الإنفاق في ذلك الوقت ولا تمني التأخير في الأجل، ووعد التصدق والصلاح لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء ولا عن التجرد والزكاء بل من غاية البخل وحب المال كأنه يحسب أنه يذهب به معه وبأن ذلك التمني والوعد محض الكذب ومحبة العاجلة لوجود الهيئة المنافية للتصدق والصلاح في النفس والميل إلى الدنيا، كما قال الله تعالى: * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) * [الأنعام، الآية: 28]، والله أعلم.
(٣٢٥)