تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٣٢١
فالستة منها هي التي خلق فيها السماوات والأرض لأن الخلق حجاب الحق، فمعنى خلق اختفى بهما فأظهرهما وبطن، واليوم السابق هو يوم الجمع وزمان الاستواء على العرش بالظهور في جميع الصفات، وابتداء يوم القيامة الذي طلع فجره ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله، فالمحمديون أهل الجمعة ومحمد صاحبها وخاتم النبين، وإنما سمي يوم الجمع لأنه وقت الظهور في صورة الاسم الأعظم لجميع الصفات ووقت استوائه في الظهور بجميعها بحيث لا يختلف بالظهور والخفاء. ولهذا السر ندبت الصلاة يوم الجمعة وقت الاستواء وكرهت في سائر الأيام، ويسمى هذا الظهور عين الجمع لاجتماع الكل فيه ولهذا المعنى سميت الجمعة جمعة. واتفق أهل الملل كلها من اليهود وغيرهم أن الله فرغ من خلق السماوات والأرض في اليوم السابع، إلا أن اليهود قالوا: إنه السبت، وابتداء الخلق من الأحد. وعلى ما أولنا يكون هو يوم الجمعة.
وكون الأحد ابتداء الخلق مؤول بأن أحدية الذات منشأ الكثرة وإن جعلنا الأحد أول الأيام ووقت ابتداء الخلق كان دور النبوة دور الخفاء. وفي السادس ابتداء الظهور وازداد في الخواص حتى ينتهي إلى تمام الظهور وارتفاع الخفاء في آخره عند خروج المهدي، ويعم الظهور في السابع الذي هو السبت. ولما كان هذا اليوم - أي يوم الجمعة - موضوعا بإزاء هذا المعنى، ندب الناس فيه إلى الفراغ من الأشغال الدنيوية التي هي حجب كلها والحضور والاجتماع في الصلاة وأوجب السعي إلى ذكر الله فيه وترك البيع لكي تتظاهر النفوس بهيئة الاجتماع في صلاة الحضور المعد للوصول إلى حضرة الجمع عسى أن يتذكر أحدهم بالفراغ عن الأشغال الدنيوية التجرد عن الحجب الخلقية، وبالسعي إلى ذكر الله، السلوك في طريقه، والصلاة مع الاجتماع: الوصول إلى حضرة الجمع، فيفلح. * (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * سر ذلك وحقيقته.
تفسير سورة الجمعة من [آية 10 - 11] * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) * الأمر بالانتشار * (في الأرض) * وابتغاء الفضل بعد انقضاء الصلاة إشارة إلى الرجوع إلى التفصيل بعد الفناء في الجمع بالصلاة الحقيقية، فإن الوقوف مع الجمع حجاب الحق عن الخلق وبالذات عن الصفات. فالانتشار هو التقلب في الصفات حال البقاء بعد الفناء بالوجود الحقاني والسير بالله في الخلق وابتغاء فضل الله هو طلب حظوظ تجليات الأسماء والصفات والرجوع إلى مقام أرض النفس وتوفية حظوظها بالحق * (واذكروا الله كثيرا) * أي: احضروا الوحدة الجمعية الذاتية في صورة الكثرة الصفاتية بحيث لم تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة فتضلوا بعد الهداية ولازموا
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»