تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٣١١
إلى آية 15] * (والذين جاؤوا من) * بعد الذين هاجروا إلى الفطرة، أي: أخذوا في السلوك وقطع منازل النفس متضرعين قائلين بلسان الافتقار: * (ربنا اغفر لنا) * هيئات الرذائل وصفات النفوس بأنوار القلوب * (ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * ذنوب التلوينات بظهور تلك الصفات والضلالة بعد الهدى * (ولا تجعل في قلوبنا غلا) * بالاحتجاب بالهيئات السبعية والشيطانية ورسوخها في قلوبنا * (ربنا إنك غفور) * تستر تلك الهيئات بأنوار الصفات * (رحيم) * بإفاضته الكمالات وإراءة التجليات.
* (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) * لاحتجابهم بالخلق عن الحق بسبب جهلهم بالله وعدم معرفتهم له إذ لو عرفوه لعلموا أن لا مؤثر غيره وشعروا بعظمته وقدرته فلم يبق عظم الخلق ولا أثرهم وقدرهم عندهم، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ' عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك '.
* (بأسهم بينهم شديد) * لكونهم غير مقهورين هناك بقهر الله ولا واقعا ظل قهر الرسول وهيبته وعكس نور تأييده وتنور نفسه بالاتصال بعالم القدس عليهم * (تحسبهم جميعا) * لاتفاقهم في الظاهر * (وقلوبهم شتى) * لانتفاء الجمعية الحقيقية بنور التوحيد عنها وتجاذب دواعيها لتفنن تعلقاتها بالأمور السفلية وتفرقها عن الحق بالباطل لاحتجابها بالكثرة عن الوحدة * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * فيختارون طريق التوحيد العلمي ويتنحون عن السبل المتفرقة الوهمية، فإن طريق العقل واحد وطرق شيطان الوهم متفرقة، وتشتت القلوب يوهن العزائم ويضعف القوى.
تفسير سورة الحشر من [آية 16 - 18] * (كمثل الشيطان) * أي: مثل إخوانهم المنافقين في إغوائهم كمثل الشيطان، أي:
الوهم الإنساني، إذ زين للإنسان حال كونه على الفطرة اللذات الحسية والشهوات البدنية وحرضه على مخالفة العقل بالهوى والاحتجاب بالطبيعة ليقع في الردى فلما احتجب بها عن الحق وانغمس في ظلمة النفس تبرأ منه بإدراك المعاني دونه، والتقرب إلى جناب الحق بالترقي إلى الأفق العقلي والاطلاع على بعض الصفات الإلهية واستشعار الخوف
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»