إلى آية 11] * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) * إنما نهوا لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما لا يشاركهما فيه ثالث، وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد وتظاهر يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيئة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر ويزداد فيهم الشر ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع، ولهذا ورد بعد النهي:
* (ويتناجون بالإثم) * الذي هو رذيلة القوى البهيمية * (والعدوان) * الذي هو رذيلة القوى الغضبية * (ومعصية الرسول) * التي هي رذيلة القوة النطقية بالجهل وغلبة الشيطنة. ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة وأمرهم بالتناجي بالخيرات ليتقووا بالهيئة الاجتماعية ويزدادوا فيها فقال: * (وتناجوا بالبر) * أي:
الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلاث * (والتقوى) * أي: الاجتناب عن أجناس الرذائل المذكورة * (واتقوا الله) * في صفات نفوسكم * (الذي إليه تحشرون) * بالقرب منه عند التجرد منها * (فافسحوا يفسح الله لكم) * أي: أفسحوا من ضيق التنافس في الجاه والنخوة فإنه من الهيئات النفسانية واستيلاء القوة السبعية وركود النفس في ظلمة الأنية واحتجابها عن الأنوار القلبية والروحية، فتنزهوا عنها * (يفسح الله لكم) * بالتجريد عن الهيئات البدنية والإمداد بالأنوار فتنشرح صدوركم وتنفسح ويتسع مكانكم في فضاء عالم القدس * (يرفع الله الذين آمنوا منكم) * الإيمان اليقيني * (والذين أوتوا العلم) * أي: علم آفات النفس ودقائق الهوى وعلم التنزه منها بالتجريد * (درجات) * من الصفات القلبية والمراتب الملكوتية والجبروتيه في عالم الأنوار * (والله بما تعملون خبير) * فيجازيكم ويعاقبكم بتلك الهيئات.
تفسير سورة المجادلة من [آية 12 - 13] * (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * لأن الاتصال بالرسول في أمر خاص لا يكون إلا لقرب روحاني أو مناسبة قلبية أو جنسية نفسانية وأيا ما كان وجبت الصدقة. أما الأول والثاني فيجب فيهما تقديم الانسلاخ عن الأفعال والصفات