تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٩٢
* (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * وهي جنات النفوس * (ومساكن طيبة) * مقامات أرباب التوكل في جنات الأفعال بدليل قوله تعالى:
* (ورضوان من الله أكبر) * [التوبة، الآية: 72]، فإن الرضوان من جنات الصفات * (ذلك) * أي الرضوان * (هو الفوز العظيم) * لكرامة أهله عند الله وشدة قربهم منه.
[تفسير سورة التوبة من آية 100 إلى آية 102] * (والسابقون الأولون) * أي: الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف الأول * (من المهاجرين) * الذين هاجروا مواطن النفس * (والأنصار) * الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس * (الذين اتبعوهم) * في الاتصاف بصفات الحق * (بإحسان) * أي:
بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال * (رضي الله عنهم) * لاشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام الرضا الذي هو باب الله الأعظم * (وأعد لهم جنات) * من جنات الأفعال والصفات * (تجري تحتها) * أنهار علوم التوكل والرضا وما يناسبهما وذلك لا ينافي وجود جنة أخرى للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها لاشتراك الكل في هذه.
* (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * الاعتراف بالذنب هو إبقاء نور الاستعداد ولين الشكيمة وعدم رسوخ ملكة الذنب فيه لأنه ملك الرجوع والتوبة ودليل رؤية قبح الذنب التي لا تكون إلا بنور البصيرة وانفتاح عين القلب إذ لو ارتكمت الظلمة ورسخت الرذيلة ما استقبحه ولم يره ذنبا بل رآه فعلا حسنا لمناسبته لحاله فإذا عرف أنه ذنب ففيه خير * (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * أي: كانوا في رتبة النفس اللوامة التي لم يصر اتصالها بالقلب وتنورها بنوره ملكة ولم يتذلل بعد في طاعتها للقلب، فتارة يستولي عليها القلب فتتذلل وتنقاد وتتنور بنوره وتعمل أعمالا صالحة، وتارة تظهر بصفاتها الحاجبة لنور القلب عنها وتحتجب بظلمتها فتفعل أفعالا سيئة، فإن ترجحت الأنوار القلبية والأعمال الصالحة وتعاقبت عليها الخواطر الملكية حتى صار اتصالها بالقلب وطاعتها إياه ملكة صلح أمرها ونجت وذلك معنى قوله: * (عسى الله أن يتوب عليهم) * وإن ارتكمت عليها الهيئات المظلمة المكتسبة من غلباتها وكثرة إقدامها على السيئات كان الأمر بالعكس فزال استعدادها بالكلية وحق عذابها أبدا.
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»