والحقائق الروحية فبقيت الجهات الأربع مواقع وساوسه. أما من بين يديه فبأن يؤمنه من مكر الله ويغره بأن الله غفور رحيم فلا يخاف فيثبطه عن الطاعات. وأما من خلفه فبأن يخوفه من الفقر وضيعة الأولاد من خلفه فيحرضه على الجمع والادخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر. وأما من جهة اليمين، فبأن يزين عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن الله برؤية تفضيله. وأما عن شماله فبأن يحمله على المعاصي والمقابح ويدعوه إلى الشهوات واللذات. * (ولا تجد أكثرهم شاكرين) * مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى الله.
* (لمن تبعك منهم لأملأن جهنم) * الطبيعة التي هي أسفل مراتب الوجود * (منكم أجمعين) * محجوبين عن لذة النعيم الأبدي وذوق البقاء السرمدي والكمالات الروحانية والكمالات الحقانية معذبين بنيران الحرمان عن المراد في انقلابات عالم التضاد وتقلبات الكون والفساد.
[تفسير سورة الأعراف من آية 19 إلى آية 23] * (ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما) * أي: ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرد من الأمور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية والأفعال الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي الإنسان من إظهارها ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل يأنف منها ويستقبحها * (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) * أي:
أوهمهما أن في الاتصال بالطبيعة الجسمانية والمادة الهيولانية لذات ملكية وإدراكات وأفعالا وخلودا فيها أو ملكا ورياسة على القوى وسائر الحيوانات دائما بغير زوال إن قرئ ملكين بكسر اللام كما قال: * (أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) * [طه، الآية:
120]. وزين لها من المصالح الجزئية والزخارف الحسية التي لا تنال إلا بالآلات البدنية في صورة الناصح الأمين.