وأنصتوا) * (الأعراف: 204) واعلم أنا بينا في تفسير هذه الآية أنها لا تدل على قولهم، وبالغنا، فليطالع ذلك الموضع من هذا التفسير؛ وأما الأخبار فقد ذكروا أخبارا كثيرة والشيخ أحمد البيهقي بين ضعفها، ثم نقول: هب أنها صحيحة، ولكن الأخبار لما تعارضت وكثرت فلا بد من الترجيح، وهو معنا من وجوه: الأول: أن قولنا يوجب الاشتغال بقراءة القرآن، وهو من أعظم الطاعات، وقولهم يوجب العطلة والسكوت عن ذكر الله ولا شك أن قولنا أولى: الثاني: أن قولنا أحوط الثالث: أن قولنا يوجب شغل جميع أجزاء الصلاة بالطاعات والأذكار الجميلة، وقولهم يوجب تعطيل الوقت عن الطاعة والذكر.
المسألة الثالثة عشرة: قال الشافعي رضي الله عنه: قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة، فإن تركها في ركعة بطلت صلاته، قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني: وهذا القول مجمع عليه بين الصحابة، قال به أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود.
واعلم أن المذاهب في هذه المسألة ستة: أحدها: قول الأصم وابن علية، وهو أن القراءة غير واجبة أصلا والثاني: قول الحسن البصري والحسن بن صالح بن جني أن القراءة إنما تجب في ركعة واحدة، لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " والاستثناء من النفي إثبات، فإذا حصلت قراءة الفاتحة في الصلاة مرة واحدة وجب القول بصحة الصلاة بحكم الاستثناء والثالث: قول أبي حنيفة، وهو أن القراءة في الركعتين الأولتين واجبة، وهو في الأخيرتين بالخيار، إن شاء قرأ، وإن شاء سبح، وإن شاء سكت، وذكر في كتاب " الاستحباب " أن القراءة واجبة في الركعتين من غير تعيين والرابع: نقل ابن الصباغ في كتاب " الشامل " عن سفيان أنه قال: تجب القراءة في الركعتين الأوليين وتكره في الأخريين والخامس: وهو قول مالك أن القراءة واجبة في أكثر الركعات، ولا تجب في جميعها، فإن كانت الصلاة أربع ركعات كفت القراءة في ثلاث ركعات، وإن كانت مغربا كفت في ركعتين، وإن كانت صبحا وجبت القراءة فيهما معا والسادس: وهو قول الشافعي وهو أن القراءة واجبة في كل الركعات.
ويدل على صحته وجوه: الحجة الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل الركعات فيجب علينا مثله، لقوله تعالى: * (واتبعوه) *. الحجة الثانية: أن الأعرابي الذي علمه عليه الصلاة والسلام الصلاة أمره أن يقرأ بأم القرآن، ثم قال: وكذلك فافعل في كل ركعة، والأمر للوجوب، فإن قالوا قوله: " فافعل في كل ركعة " راجع إلى الأفعال لا إلى الأقوال، قلنا