الآخرة وتقبيح الدنيا. فعلى قول الخصم تكون الصلاة صحيحة بقراءة الإنجيل والتوراة، وبقراءة زيد وإنسان، ولو أنه دخل الدنيا وعاش مائة سنة ولم يقرأ حرفا من القرآن بل كان مواظبا على قراءة زيد وإنسان فإنه يلقى الله تعالى مطيعا ومعلوم بالضرورة أن هذا الكلام لا يليق بدين المسلمين.
الحجة الثانية عشرة: أنه لا ترجمة للفاتحة ألا نقول الثناء لله رب العالمين ورحمان المحتاجين والقادر على يوم الدين أنت المعبود وأنت المستعان إهدنا إلى طريق أهل العرفان لا إلى طريق أهل الخذلان، وإذا ثبت أن ترجمة الفاتحة ليست إلا هذا القدر أو ما يقرب منه فمعلوم أنه لا خطبة إلا وقد حصل فيها هذا القدر فوجب أن يقال الصلاة صحيحة بقراءة جميع الخطب، ولما كان باطلا علمنا فساد هذا القول.
الحجة الثالثة عشرة: لو كان هذا جائزا لكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي في أن يقرأ القرآن بالفارسية ويصلي بها، ولكان قد أذن لصهيب في أن يقرأ بالرومية، ولبلال في أن يقرأ بالحبشية؛ ولو كان هذا الأمر مشروعا لاشتهر جوازه في الخلق فإنه يعظم في أسماع أرباب اللغات بهذا الطريق، لأن ذلك يزيل عنهم أتعاب النفس في تعلم اللغة العربية، ويحصل لكل قوم فخر عظيم في أن يحصل لهم قرآن بلغتهم الخاصة، ومعلوم أن تجويزه يفضي إلى اندراس القرآن بالكلية، وذلك لا يقوله مسلم.
الحجة الرابعة عشرة: لو جازت الصلاة بالقراءة بالفارسية لما جازت بالقراءة بالعربية، وهذا جائز وذاك غير جائز، وبيان الملازمة أن الفارسي الذي لا يفهم من العربية شيئا لم يفهم من القرآن شيئا البتة، أما إذا قرأ القرآن بالفارسية فهم المعنى وأحاط بالمقصود وعرف ما فيه من الثناء على الله ومن الترغيب في الآخرة والتنفير عن الدنيا، ومعلوم أن المقصد الأقصى من إقامة الصلوات حصول هذه المعاني، قال تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * (طه: 14) وقال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * (محمد: 24) فثبت أن قراءة الترجمة تفيد هذه الفوائد العظيمة، وقراءة القرآن باللفظ العربي تمنع من حصول هذه الفوائد، فلو كانت القراءة بالفارسي قائمة مقام القراءة بالعربية في الصحة ثم إن القراءة بالفارسية تفيد هذه الفوائد العظيمة والقراءة بالعربية مانعة منها لوجب أن تكون القراءة بالعربية محرمة، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن القراءة بالفارسية غير جائزة.
الحجة الخامسة عشرة: المقتضى لبقاء الأمر بالصلاة قائم، والفارق ظاهر، أما المقتضى