لله فكأنه قال: من أنا حتى أحمده؟ لكنه محمود بجميع حمد الحامدين، مثاله ما لو سئلت: هل لفلان عليك نعمة؟ فإن قلت: نعم فقد حمدته ولكن حمدا ضعيفا، ولو قلت في الجواب: بل نعمه على كل الخلائق، فقد حمدته بأكمل المحامد ورابعها: أن الحمد عبارة عن صفة القلب وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلا منعما مستحقا للتعظيم والإجلال، فإذا تلفظ الإنسان بقوله أحمد الله مع أنه كان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذبا، لأنه أخبر عن نفسه بكونه حامدا مع أنه ليس كذلك، أما إذا قال الحمد لله سواء كان غافلا أو مستحضرا لمعنى التعظيم فإنه يكون صادقا لأن معناه أن الحمد حق لله وملكه، وهذا المعنى حاصل سواء كان العبد مشتغلا بمعنى التعظيم والإجلال أو لم يكن، فثبت أن قوله الحمد لله أولى من قوله أحمد الله، ونظيره قولنا لا إله إلا الله فإنه لا يدخله التكذيب، بخلاف قولنا أشهد أن لا إله إلا الله لأنه قد يكون كاذبا في قوله أشهد، ولهذا قال تعالى في تكذيب المنافقين * (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * (المنافقون: 1) ولهذا السر أمر في لأذان بقوله أشهد ثم وقع الختم على قوله لا إله إلا الله. معنى اللام في (الحمد لله):
الفائدة الثالثة: اللام في قوله الحمد لله يحتمل وجوها كثيرة: أحدها: الاختصاص اللائق كقولك الجل للفرس وثانيها: الملك كقولك الدار لزيد وثالثها: القدرة والاستيلاء كقولك البلد للسلطان، واللام في قولك الحمد لله يحتمل هذه الوجوه الثلاثة فإن حملته على الاختصاص اللائق فمن المعلوم أنه لا يليق الحمد إلا به لغاية جلاله وكثرة فضله وإحسانه، وإن حملته على الملك فمعلوم أنه تعالى مالك للكل فوجب أن يملك منهم كونهم مشتغلين بحمده، وإن حملته على الاستيلاء والقدرة فالحق سبحانه وتعالى كذلك لأنه واجب لذاته وما سواه ممكن لذاته والواجب لذاته مستول على الممكن لذاته، فالحمد لله بمعنى أن الحمد لا يليق إلا به وبمعنى أن الحمد ملكه وملكه، وبمعنى أنه هو المستولي على الكل والمستعلي على الكل.
الفائدة الرابعة: قوله الحمد لله ثمانية أحرف، وأبواب الجنة ثمانية، فمن قال هذه الثمانية عن صفاء قلبه استحق ثمانية أبواب الجنة.
الفائدة الخامسة: الحمد لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف، وفيه قولان: الأول: أنه إن كان مسبوقا بمعهود سابق انصرف إليه، وإلا يحمل على الاستغراق صونا للكلام عن الإجمال والقول الثاني: أنه لا يفيد العموم إلا أنه يفيد الماهية والحقيقة فقط، إذا عرفت هذه فنقول: قوله الحمد لله إن قلنا بالقول الأول: أفاد أن كل ما كان حمدا وثناء فهو لله وحقه وملكه، وحينئذ يلزم أن يقال: إن ما سوى الله فإنه لا يستحق الحمد الثناء البتة، وإن قلنا