تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢١٩
يحمد الناس لم يحمد الله " الوجه الرابع: أن المدح عبارة عن القول الدال على كونه مختصا بنوع من أنواع الفضائل، وأما الحمد فهو القول الدال على كونه مختصا بفضيلة معينة، وهي فضيلة الأنعام والإحسان فثبت بما ذكرنا أن المدح أعم من الحمد.
وأما الفرق بين الحمد وبين الشكر فهو أن الحمد يعم ما إذا وصل ذلك الأنعام إليك أو إلى غيرك، وأما الشكر فهو مختص بالأنعام الواصل إليك. إذا عرفت هذا فنقول: قد ذكرنا أن المدح حاصل للحي ولغير الحي، وللفاعل المختار ولغيره فلو قال المدح لله لم يدل ذلك على كونه تعالى فاعلا مختارا، أما لما قال الحمد لله فهو يدل على كونه مختارا، فقوله: * (الحمد لله) * يدل على كون هذا القائل مقرا بأن إله العالم ليس موجبا بالذات كما تقول الفلاسفة بل هو فاعل مختار وأيضا فقوله الحمد لله أولى من قوله الشكر لله لأن قوله الحمد لله ثناء على الله بسبب كل إنعام صدر منه ووصل إلى غيره وأما الشكر لله فهو ثناء بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل، ولا شك أن الأول أفضل لأن التقدير كأن العبد يقول: سواء أعطيتني أو لم تعطني فإنعامك واصل إلى كل العالمين، وأنت مستحق للحمد العظيم، وقيل الحمد على ما دفع الله من البلاء، والشكر على ما أعطى من النعماء.
فإن قيل: النعمة في الإعطاء أكثر من النعمة في دفع البلاء فلماذا ترك الأكثر وذكر الأقل قلنا في وجوه: الأول: كأنه يقول أنا شاكر لأدنى النعمتين فكيف لأعلاهما الثاني: المنع غير متناه، والإعطاء متناه، فكان الابتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له أولى الثالث: أن دفع الضرر أهم من جلب النفع، فلهذا قدمه. الحمد لله أبلغ من أحمد الله:
الفائدة الثانية: أنه تعالى لم يقل أحمد الله ولكن قال: * (الحمد لله) * وهذه العبارة الثانية أولى لوجوه: أحدها: أنه لو قال أحمد الله أفاد ذلك كون ذلك القائل قادرا على حمده أما لما قال * (الحمد لله) * فقد أفاد ذلك أنه كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين، فهؤلاء سواء حمدوا أو لم يحمدوا وسواء شكروا أو لم يشكروا فهو تعالى محمود من الأزل إلى الأبد بحمده القديم وكلامه القديم وثانيها: أن قولنا الحمد لله، معناه أن الحمد والثناء حق لله وملكه، فإنه تعالى هو المستحق للحمد بسبب كثرة أياديه وأنواع آلائه على العباد، فقولنا: الحمد لله معناه أن الحمد لله حق يستحقه لذاته ولو قال أحمد الله لم يدل ذلك على كونه مستحقا للحمد لذاته ومعلوم أن اللفظ الدال على كونه مستحقا للحمد أولى من اللفظ الدال على أن شخصا واحد حمده وثالثها: أنه لو قال أحمد الله لكان قد حمد لكن لا حمدا يليق به، وأما إذا قال الحمد
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»