تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٥١
غير متناهية، ورحمة غير متناهية، وحكمة غير متناهية، فعلى هذا أنا لا أقدر على دفع حاجاتي ولا على تحصيل مهماتي، بل ليس القادر على دفع تلك الحاجات وعلى تحصيل تلك المهمات إلا الله سبحانه وتعالى، فأنا أجعل همي مشغولا بذكره فقط، ولساني مشغولا بذكره فقط فإذا فعلت ذلك فهو برحمته يكفيني مهمات الدنيا والآخرة.
الفائدة العاشرة: أن العقل لا يمكنه الاشتغال بشيء حالة الاستغراق في العلم بشيء آخر، فإذا وجه فكره إلى شيء يبقى معزولا عن غيره، فكأن العبد يقول: كلما استحضرت في ذهني العلم بشيء فاتني في ذلك الوقت العلم بغيره، فإذا كان هذا لازما فالأولى أن أجعل قلبي وفكري مشغولا بمعرفة أشرف المعلومات، وأجعل لساني مشغولا بذكر أشرف المذكورات؛ فلهذا السبب أواظب على قوله: " يا هو ".
الفائدة الحادية عشرة: أن الذكر أشرف المقامات، قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى: " إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه " وإذا ثبت هذا فنقول: أفضل الأذكار ذكر الله بالثناء الخالي عن السؤال، قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى: " من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: العبد فقير محتاج، والفقير المحتاج إذا نادى مخدومه بخطاب يناسب الطلب والسؤال كان ذلك محمولا على السؤال، فإذا قال الفقير للغني " يا كريم " كان معناه أكرم وإذا قال له: " يا نفاع " كان معناه طلب النفع، وإذا قال: " يا رحمن " كان معناه ارحم، فكانت هذه الأذكار جارية مجرى السؤال، وقد بينا أن الذكر إنما يعظم شرفه إذا كان خاليا عن السؤال والطلب، أما إذا قال: " يا هو " كان معناه خاليا عن الأشعار بالسؤال والطلب، فوجب أن يكون قولنا: " هو " أعظم الأذكار.
ولنختم هذا الفصل بذكر شريف رأيته في بعض الكتب: يا هو، يا من لا هو إلا هو، يا من لا إله إلا هو، يا أزل، يا أبد، يا دهر، يا ديهار، يا ديهور، يا من هو الحي الذي لا يموت.
ومن لطائف هذا الفصل أن الشيخ الغزالي رحمة الله عليه كان يقول: " لا إله إلا الله " توحيد العوام، " ولا إله إلا هو " توحيد الخواص، ولقد استحسنت هذا الكلام وقررته بالقرآن والبرهان: أما القرآن فإنه تعالى قال: * (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو) * ثم قال بعده: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) معناه إلا هو، فذكر قوله إلا هو بعد قوله لا إله فدل ذلك على أن غاية التوحيد هي هذه الكلمة، وأما البرهان فهو أن من الناس من قال: إن تأثير
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»