تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٣٦
بعد أن كان معدوما، وهذا أخص من مطلق الإيجاد، وأما المكون فيقرب من أن يكون مرادفا للموجد، وأما المنشئ فاشتقاقه من النشوء والنماء، وهو الذي يكون قليلا قليلا على التدريج، وأما المبدع فهو الذي يكون دفعة واحدة، وهما كنوعين تحت جنس الموجد. والمخترع قريب من المبدع، وأما الصانع فيقرب أن يكون اسما لمن يأتي بالفعل على سبيل التكلف، وأما الخالق فهو عبارة عن التقدير، وهو في حق الله تعالى يرجع إلى العلم، وأما الفاطر فاشتقاقه من الفطر وهو الشق، ويشبه أن يكون معناه هو الأحداث دفعة، وأما البارئ فهو الذي يحدثه على الوجه الموافق للمصلحة، يقال: برى القلم إذا أصلحه وجعله موافقا لغرض معين، فهذا بيان هذه الألفاظ الدالة على كونه موجدا على سبيل العموم، أما الألفاظ الدالة على إيجاد شيء بعينه فتكاد أن تكون غير متناهية، ويجب أن نذكر في هذا الباب أمثلة فالمثال الأول: أنه إذا خلق النافع سمي نافعا، وإذا خلق المؤلم سمي ضارا، والمثال الثاني: إذا خلق الحياة سمي محييا، وإذا خلق الموت سمي مميتا، والمثال الثالث: إذا خصهم بالإكرام سمي برا لطيفا، وإذا خصهم بالقهر سمي قهارا جبارا، والمثال الرابع: إذا قلل العطاء سمي قابضا، وإذا أكثره سمي باسطا، والمثال الخامس: إن جارى ذوي الذنوب بالعقاب سمي منتقما وإن ترك ذلك الجزاء سمي عفوا غفورا رحيما رحمانا، المثال السادس: إن حصل المنع والإعطاء في الأموال سمي قابضا باسطا، وإن حصلا في الجاه والحشمة سمي خافضا رافعا.
إذا عرفت هذا فنقول: إن أقسام مقدورات الله تعالى بحسب الأنواع والأجناس غير متناهية، فلا جرم يمكن أن يحصل لله تعالى أسماء غير متناهية بحسب هذا الاعتبار.
وإذا عرفت هذا فنقول: ههنا دقائق لا بد منها: فالدقيقة الأولى: أن مقابل الشيء تارة يكون ضده وتارة يكون عدمه، فقولنا: " المعز المذل " وقولنا: " المحيي المميت " يتقابلان تقابل الضدين، وأما قولنا: " القابض الباسط، الخافض الرافع " فيقرب من أن يكون تقابلهما تقابل العدم والوجود، لأن القبض عبارة عن أن لا يعطيه المال الكثير، والخفض عبارة أن لا يعطيه الجاه الكبير، أما الإعزاز والإذلال فهما متضادان؛ لأنه فرق بين أن لا يعزه وبين أن يذله والدقيقة الثانية: أنه قد تكون الألفاظ تقرب من أن تكون مترادفة ولكن التأمل التام يدل على الفرق اللطيف، وله أمثلة: المثال الأول: الرؤف الرحيم، يقرب من هذا الباب إلا أن الرؤف أميل إلى جانب إيصال النفع، والرحيم أميل إلى جانب دفع الضرر، والمثال الثاني: الفاتح، والفتاح، والنافع والنفاع، والواهب والوهاب، فالفاتح يشعر بأحداث سبب الخير،
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»