تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٢٥
الخبر الثاني: عن معاذ بن جبل قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غدوة فقال له قائل: ما رأيتك أسفر وجهك مثل الغداة، قال: " وما أبالي،، وقد بدا لي ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي ربي، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها فعلمت ما في السماوات والأرض. واعلم أن العلماء ذكروا في تأويل هذه الأخبار وجوها: الأول: أن قوله: " إن الله خلق آدم على صورته " الضمير عائد إلى المضروب، يعني أن الله تعالى خلق آدم على صورة المضروب، فوجب الاحتراز عن تقبيح وجه ذلك المضروب. الثاني: أن المراد أن الله خلق آدم على صورته التي كان في آخر أمره، يعني أنه ما تولد عن نطفة ودم وما كان جنينا ورضيعا، بل خلقه الله رجلا كاملا دفعة واحدة الثالث: أن المراد من الصورة الصفة يقال صورة هذا الأمر كذا، أي: صفته، فقوله: " خلق الله آدم على صورة الرحمن " أي: خلقه على صفته في كونه خليفة له في أرضه متصرفا في جميع الأجسام الأرضية، كما أنه تعالى نافذ القدرة في جميع العالم. إطلاق " الجوهر " على الله لا يجوز:
المسألة الثامنة: الفلاسفة قد يطلقون لفظ " الجوهر " على ذات الله تعالى، وكذلك النصارى، والمتكلمون يمتنعون منه، أما الفلاسفة فقالوا: المراد من الجوهر الذات المستغنى عن المحل والموضوع، والله تعالى كذلك، فوجب أن يكون جوهرا، فالجوهر فوعل واشتقاقه من الجهر، وهو الظهور، فسمي الجوهر جوهرا لكونه ظاهرا بسبب شخصيته وحجميته، فكونه جوهرا عبارة عن كونه ظاهر الوجود، وأما حجميته فليست نفس الجوهر، بل هي سبب لكونه جوهرا وهو ظهور وجوده، والحق سبحانه وتعالى أظهر من كل ظاهر بحسب كثرة الدلائل على وجوده، فكان أولى الأشياء بالجوهرية هو هو، وأما المتكلمون فقالوا: أجمع المسلمون على الامتناع من هذا اللفظ فوجب الامتناع منه.
إطلاق الجسم لا يجوز:
المسألة التاسعة: أطلق أكثر الكرامية لفظ " الجسم " على الله تعالى فقالوا: لا نريد به كونه مركبا مؤلفا من الأعضاء، وإنما نريد به كونه موجودا قائما بالنفس غنيا عن المحل وأما سائر الفرق فقد أطبقوا على إنكار هذا الاسم.
ولنا مع الكرامية مقامان: المقام الأول: أنا لا نسلم أنهم أرادوا بكونه جسما معنى غير الطول والعرض والعمق، وكيف لا نقول ذلك وأنهم يقولون: أنه تعالى فوق العرش، ولا يقولون إنه في الصغر مثل الجوهر الفرد، والجزء الذي لا يتجزأ، بل يقولون: إنه
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»