تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٣٠
ولو كان كذلك لكنا إذا أسندناه إلى اسم واحد لكان حينئذ قد دل على حصول حدث لذلك الشيء، وحينئذ يتم الكلام، فكان يجب أن يستغنى عن ذكر المنصوب، وعلى هذا التقدير يصير فعلا تاما. فثبت أن القول بأن بهذه الكلمة الناقصة فعل يوجب كونها تامة غير ناقصة، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلا، فكان القول بأن هذه الكلمة ناقصة كلاما باطلا، ولما أوردت هذا السؤال عليهم بقي الأذكياء من النحويين والفضلاء منهم متحيرين فيه زمانا طويلا، وما أفلحوا في الجواب، ثم لما تأملت فيه وجدت الجواب الحقيقي الذي يزيل الشبهة، وتقريره أن نقول: لفظ " كان " لا يفيد إلا الحدوث والحصول والوجود، إلا أن هذا على قسمين: منه ما يفيد حدوث الشيء في نفسه، ومنه ما يفيد موصوفية شئ بشيء آخر. أما القسم الأول: فإن لفظ " كان " يتم بإسناده إلى ذلك الشيء الواحد لأنه يفيد أن ذلك الشيء قد حدث وحصل، وأما القسم الثاني فإنه لا تتم فائدته إلا بذكر الاسمين، فإنه إذا ذكر كان معناه حصول موصوفية زيد بالعلم ولا يمكن ذكر موصوفية هذا بذاك إلا عند ذكرهما جميعا، فلا جرم لا يتم المقصود إلا بذكرهما، فقولنا: " كان زيد عالما "، معناه أنه حدث وحصل موصوفية زيد بالعلم، فثبت بما ذكرنا أن لفظ الكون يفيد الحصول والوجود فقط، إلا أنه في القسم الأول يكفيه إسناده إلى اسم واحد، وفي القسم الثاني: لا بد من ذكر الاسمين، وهذا من اللطائف النفيسة في علم النحو، إذا عرفت هذا فنقول: فعلى هذا التقدير لا فرق بين الكائن والموجود فوجب جواز إطلاقه على الله تعالى.
القسم الثالث: من أقسام الصفات الحقيقية: - الصفة المغايرة للوجود مذهب نفاة الصفات:
الصفة التي تكون مغايرة للوجود ولكيفيات الوجود.
اعلم أن هذا البحث مبني على أنه هل يجوز قيام هذه الصفات ذات الله تعالى؟ فالمعتزلة والفلاسفة ينكرونه أشد الإنكار، ويحتجون عليه بوجوه: - الأول: أن تلك الصفة إما أن تكون واجبة لذاتها أو ممكنة لذاتها، والقسمان باطلان، فبطل القول بالصفات، وإنما قلنا أن يمتنع كونها واجبة لذاتها لوجهين: الأول: أنه ثبت في الحكمة أن واجب الوجود لذاته لا يكون إلا واحدا. الثاني: أن الواجب لذاته هو الذي يكون غنيا عما سواه، والصفة هي التي تكون مفتقرة إلى الموصوف، فالجمع بين الوجوب الذاتي وبين كونه صفة للغير محال، وإنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون ممكنا لذاته لوجهين: الأول: أن الممكن لذاته لا بد له من سبب، وسببه لا يجوز أن يكون غير ذات الله، لأن
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»