الأول فقد جاء في القرآن قال الله تعالى: * (لوجدوا الله) * (النساء: 64) ولفظ الوجود ههنا بمعنى الوجدان والعرفان، وأما بالمعنى الثاني فهو غير موجود في القرآن.
فإن قالوا: لما حصل الوجود بمعنى الوجدان لزم حصول الوجود بمعنى الثبوت والتحقق إذ لو كان عدما محضا لما كان الأمر كذلك.
فنقول: هذا ضعيف من وجهين: الأول: أنه لا يلزم من حصول الوجود بمعنى الوجدان والمعرفة حصول الوجود بمعنى الثبوت؛ لما ثبت أن المعدوم قد يكون معلوما، والثاني: أنا بينا أن هذا البحث ليس إلا في اللفظ، فلا يلزم من حصول الاسم بحسب معنى حصول الاسم بحسب معنى آخر، ثم نقول: ثبت بإجماع المسلمين إطلاق هذا الاسم فوجب القول به.
فإن قالوا: ألستم قلتم إن أسماء الله تعالى يجب كونها دالة على المدح والثناء، ولفظ الموجود لا يفيد ذلك؟.
قلنا عدلنا عن هذا الدليل بدلالة الإجماع، وأيضا فدلالة لفظ الموجود على المدح أكثر من دلالة لفظ الشيء عليه، وبيانه من وجوه: الأول: أنه عند قوم يقع لفظ الشيء على المعدوم كما يقع على الموجود، أما الموجود فإنه لا يقع على المعدوم البتة، فكان إشعار هذا اللفظ بالمدح أولى. الثاني: أن لفظ الموجود بمعنى المعلوم يفيد صفة المدح والثناء، لأنه يفيد أن بسبب كثرة الدلائل على وجوده وإلهيته صار كأنه معلوم لكل أحد موجود عند كل أحد واجب الإقرار به عند كل عقل، فهذا اللفظ أفاد المدح والثناء من هذا الوجه، فظهر الفرق بينه وبين لفظ الشيء. معنى قولنا ذات الله:
المسألة الثالثة: في الذات: روى عبد الله الأنصاري الهروي في الكتاب الذي سماه " بالفاروق " أخبارا تدل على هذا اللفظ: أحدها: عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن من أعظم الناس أجرا الوزير الصالح من أمير يطيعه في ذات الله "، وثانيها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله "، وثالثها: عن كعب بن عجرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا عليا فإنه كان مخشوشا في ذات الله "، ورابعها: عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل؟ قال: " أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله " وخامسها: عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أن للشيطان مصايد وفخوخا منها البطر بأنعم الله، والفخر بعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله ".