المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٧
قال القاضي أبو محمد وهذه كلها ضمها المنشأ كشهوده حرب الفجار ينبل على أعماله وقلبه وفي ذلك كله منيب إلى الصواب وأما عبادة الأصنام فلم يلتبس بها قط وقرا انس بن مالك (وحططنا عنك وزرك) وفي حرف ابن مسعود (وحللنا عنك وقرك) وفي حرف أبي (وحططنا عنك وقرك) وذكر أبو عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب جميعها وقال المحاسبي إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل وهي صغائر مغفورة لهمهم بها وتحسرهم عليها و * (أنقض) * معناه جعله نقضا أي هزيلا معيبا من الثقل وقيل معناه أسمع له نقيضا وهو الصوت وهو مثل نقيض السفن وكل ما حملته ثقلا فإنه ينتقض تحته وقال عباس بن مرداس (وأنقض ظهري ما تطوقت مضهم * وكنت عليهم مشفقا متحننا) الطويل وقوله تعالى * (ورفعنا لك ذكرك) * معناه نوهنا باسمك وذهبنا به كل مذهب في الأرض وهذا ورسول الله بمكة وقال أبو سعيد الخدري والحسن ومجاهد وقتادة معنى قوله * (ورفعنا لك ذكرك) * أي قرنا اسمك باسمنا في الأذان والخطب وروي في هذا الحديث إن الله تعالى قال إذا ذكرت معي وهذا متجه إلى أن الآية نزلت بمكة قديما والأذان شرع بالمدينة ورفع الذكر نعمة على الرسول وكذلك هو جميل حسن للقائمين بأمور الناس وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة وقد جعل الله تعالى النعم أقساما بحسب ما يصلح لشخص شخص وفي الحديث (إن الله تعالى يوقف عبدا يوم القيامة فيقول له ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ويقول في جملتها ألم أحمل ذكرك في الناس) والمعنى في هذا التعديد الذي على النبي صلى الله عليه وسلم أي يا محمد قد فعلنا بك جميع هذا فلا تكترث بأذى قريش فإن الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم وينصرك عليهم ثم قوى رجاءه بقوله * (فإن مع العسر يسرا) * أي ما تراه من الأذى فرج يأتي وكرر تعالى ذلك مبالغة وتثبيتا للخير فقال بعض الناس المعنى * (إن مع العسر يسرا) * في الدنيا وإن مع العسر يسرا في الآخرة وذهب كثير من العلماء إلى أن مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث العسر معروف للعهد واليسر منكر فالأول غير الثاني وقد روي في هذا التأويل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لن يغلب عسر يسرين) واما قول عمر به فنص في الموطأ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجراح وقرأ عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر (العسر واليسر) بضمتين وقرا ابن مسعود * (فإن مع العسر يسرا) * واحدا غير مكرر ثم امر تعالى نبيه إذا فرغ من شغل من أشغال النبوة والعبادة ان ينصب في آخر والنصب التعب فالمعنى ان يرأب على ما امر به ولا يفتر وقال ابن عباس المعنى * (فإذا فرغت) * من فرضك * (فانصب) * في النفل عبادة لربك وقال ابن مسعود * (فانصب) * في قيام الليل وعن مجاهد، * (فإذا فرغت) * من شغل دنياك * (فانصب) * في عبادة ربك وقيل المعنى إذا فرغت من الركعات فاجلس في التشهد وانصب في الدعاء وقال ابن عباس وقتادة معنى الكلام * (فإذا فرغت) * من العبادة * (فانصب) * في الدعاء وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى * (فإذا فرغت) * من الجهاد * (فانصب) * في العبادة ويعترض هذا التأويل بان الجهاد فرض بالمدينة وقرا أبو السمال (فرغت) بكسر الراء وهي لغة وقرا قوم (فانصب) بشد الباء وفتحها ومعناه إذا
(٤٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 ... » »»