المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٤
وبعدها فوعده الله تعالى على هذا التأويل بالنصر والظهور وكذلك قوله تعالى * (ولسوف يعطيك ربك) * الآية قال جمهور الناس ذلك في الآخرة وقال بعضهم من أهل البيت هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى وأحد من أمته في النار وروي انه عليه السلام لما نزلت قال (إذا لا أرضى وأحد من أمتي في النار) وقال ابن عباس رضاه ان لا يدخل أحد من أهل بيته في النار وقال ابن عباس أيضا رضاه ان الله تعالى وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج اليه من النعم والخدم وقال بعض العلماء رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره وفي مصحف ابن مسعود (ولسيعطيك ربك فترضى) ثم وقفه تعالى على المراتب التي رجه عنها بإنعامه ويتمه كان فقد أبيه وكونه في كنف عمه أبي طالب وقيل لجعفر بن محمد الصادق لم يتم عليه السلام من أبويه فقال لئلا يكون عليه حق لمخلوق وقرا الأشهب العقيلي (فأوى) بالقصر بمعنى رحم تقول اويت لفلان أي رحمته وقوله تعالى * (ووجدك ضالا) * أي وجده إنعامه بالنبوة والرسالة على غير الطريقة التي هو عليها في نبوته وهذا قول الحسن والضحاك وفرقة والضلال يختلف فمنه القريب ومنه البعيد فالبعيد ضلال الكفار الذين يعبدون الأصنام ويحتجون لذلك ويعتبطون به وكان هذا الضلال الذي ذكره الله تعالى لنبيه عليه السلام أقرب ضلال وهو الكون واقفا لا يميز المهيع لا انه تمسك بطريق أحد بل كان يرتاد وينظر وقال السدي أقام على امر قومه أربعين سنة وقيل معنى * (وجدك ضالا) * اي تنسب إلى الضلال وقال الكلبي ووجدك في قوم ضلال فكأنك واحد منهم قال القاضي أبو محمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنما قط ولكنه اكل ذبائحهم حسب حديث زيد بن عمرو في أسفل بارح وجرى على يسير من امرهم وهو مع ذلك ينظر خطأ ما هم فيه ودفع من عرفات وخالفهم في أشياء كثيرة وقال ابن عباس هو ضلاله وهو صغير في شعاب مكة ثم رده الله تعالى إلى جده عبد المطلب وقيل هو ضلاله من حليمة مرضعته وقال الترمذي وعبد العزيز بن يحيى * (ضالا) * معناه خامل الذكر لا يعرفك الناس فهداهم إليك ربك والصواب انه ضلال من توقف لا يدري كما قال عز وجل * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) * الشورى 52 قال ثعلب قال أهل السنة هو تزويجه بنته في الجاهلية ونحوه والعائل الفقير وقرا اليماني (عيلا) بشد الياء المكسورة ومنه قول الشاعر أحيحة (وما يدري الفقير متى غناه * وما يدري الغني متى يعيل) الوافر وأعال كثر عياله وعال افتقر ومنه قول الله تعالى * (وإن خفتم عيلة) * التوبة 28 وقوله تعالى * (فأغنى) * قال مقاتل معناه رضاك بما أعطاك من الرزق وقيل فقيرا اليه فأغناك به والجمهور على أنه فقر المال وغناه والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا اليه فقر الحال وغناه وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك وقال (ليسى الغنى عن كثرة العرض ولكنه غنى النفس) وكما عدد الله عليه هذه النعم الثلاث وصاه بثلاث وصايا في كل نعمة وصية مناسبة لها فبإزاء قوله * (ألم يجدك يتيما فآوى) * قوله
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»