المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٦٩
من التقدير والموازنة وقوله تعالى * (فهدى) * عام لوجوه الهدايات فقال الفراء معناه هدى وأضل واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى وقال مقاتل والكلبي هدى الحيوان إلى وطء الذكور والإناث وقيل هدى المولود عند وضعه إلى مص الثدي وقال مجاهد هدى الناس للخير والشر والبهائم للمراتع قال القاضي أبو محمد وهذه الأقوال مثالات والعموم في الآية أصوب في كل تقدير وفي كل هداية و * (المرعى) * النبات وهو أصل في قيام المعاش إذ هو غذاء الأنعام ومنه ما ينتفع به الناس في ذواتهم و (الغثاء) ما يبس وجف وتحطم من النبات وهو الذي يحمله السيل وبه يشبه الناس الذين لا قدر لهم و (الأحوى) قيل هو الأخضر الذي عليه سواد من شدة الخضرة والغضارة وقيل هو الأسود سوادا يضرب إلى الخضرة ومنه قول ذي الرمة (لمياء في شفتيها حوة لعس * وفي اللثاث وفي أنيابها شنب) البسيط قال قتادة تقدير هذه الآية * (أخرج المرعى) * * (أحوى) * أسود من خضرته ونضارته * (فجعله غثاء) * عند يبسه ف * (أحوى) * حال وقال ابن عباس المعنى * (فجعله غثاء أحوى) * أي أسود لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار * (أحوى) * بهذه الصفة وقوله تعالى * (سنقرئك فلا تنسى) * قال الحسن وقتادة ومالك بن انس هذه الآية في معنى قوله تعالى * (لا تحرك به لسانك) * القيامة 16 الآية وعد الله ان يقرئه واخبره انه لا ينسى نسيانا لا يكون بعده ذكر فتذهب الآية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه مبادرة خوفا منه ان ينسى وفي هذا التأويل آية النبي صلى الله عليه وسلم في أنه أمي وحفظ الله تعالى عليه الوحي وامنه من نسيانه وقال آخرون ليست هذه الآية في معنى تلك وانما هذه وعد بإقرار الشرع والسور وأمره ان لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد وقد علم أن ترك النسيان ليس في قدرته فقد نهي عن إغفال التعاهد وأثبت الياء في (تنسى) لتعديل رؤوس الآي وقال الجنيد معنى * (فلا تنسى) * لا تترك العمل بما تضمن من امر ونهي وقوله تعالى * (إلا ما شاء الله) * قال الحسن وقتادة وغيره مما قضى الله تعالى بنسخه وان ترفع تلاوته وحكمه وقال الفراء وجماعة من أهل المعاني هو استثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى في الاستثناء وليس ثم شيء أبيح نسيانه وقال ابن عباس * (إلا ما شاء الله) * ان ينسيكه لتسن به على نحو قوله عليه السلام (إني لأنسى أو انسى لأسن) وقال بعض المتأولين * (إلا ما شاء الله) * أن يغلبك النسيان عليه ثم يذكرك به بعد ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة عباد بن بشر يرحمه الله لقد أذكرني كذا في سورة كذا وكذا قال القاضي أبو محمد ونسيان النبي صلى الله عليه وسلم ممتنع فيما امر بتبليغه إذ هو معصوم فإذا بلغه ووعي عنه فالنسيان جائز على أن يتذكر بعد ذلك وعلى ان يسن أو على النسخ ثم أخبر تعالى * (إنه يعلم الجهر) * من الأشياء * (وما يخفى) * منها وذلك لإحاطته بكل شيء علما وبهذا يصح الخبر بأنه لا ينسى شيئا الا ذكره الله تعالى به وقوله تعالى * (ونيسرك لليسرى) * معناه نذهب بك نحو الأمور المستحسنة في دنياك واخراك من النصر والظفر وعلو الرسالة والمنزلة يوم القيامة والرفعة في الجنة ثم
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»