المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٩٦
تعين أشخاصهم وإنما جاء فيها توبيخ لكل مغموض عليه بالنفاق وبقي لكل واحد منهم أن يقول لم أرد بها ولا أنا إلا مؤمن ولو عين أحد لما جب كذبه شيئا وقوله تعالى * (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * وصلت * (خلوا) * ب * (إلي) * وعرفها أن توصل بالباء فتقول خلوت بفلان من حيث نزلت * (خلوا) * في هذا الموضع منزلة ذهبوا وانصرفوا إذ هو فعل معادل لقوله * (لقوا) * وهذا مثل ما تقدم من قول الفرزدق (كيف تراني قالبا مجني * فقد قتل الله زيادا عني) الرجز لما أنزله منزلة صرف ورد قال مكي يقال خلوت بفلان بمعنى سخرت به فجاءت إلى في الآية زوالا عن الاشتراك في الباء وقال قوم * (إلي) * بمعنى مع وفي هذا ضعف ويأتي بيانه إن شاء الله في قوله تعالى * (من أنصاري إلى الله) * آل عمران 52 الصف 14 وقال قوم * (إلي) * بمعنى الباء إذ حروف المعاني يبدل بعضها من بعض وهذا ضعيف يأباه الخليل وسيبويه وغيرهما واختلف المفسرون في المراد بالشياطين فقال ابن عباس رضي الله عنه هم رؤساء الكفر وقال ابن الكلبي وغيره هم شياطين الجن قال القاضي أبو محمد وهذا في الموضع بعيد وقال جمع من المفسرين هم الكهان ولفظ الشيطنة الذي معناه البعد عن الإيمان والخير يعم جميع من ذكر والمنافقين حتى يقدر كل واحد شيطان غيره فمنهم الخالون ومنهم الشياطين و " مستهزئون " معناه نتخذ هؤلاء الذين نصانعهم بإظهار الإيمان هزوا ونستخف بهم ومذهب سيبويه رحمه الله أن تكون الهمزة مضمومة على الواو في " مستهزئون " وحكى عنه أبو علي أنها تخفف بين بين ومذهب أبي الحسن الأخفش أن تقلب الهمزة ياء قلبا صحيحا فيقرأ مستهزيون قال ابن جني حمل الياء الضمة تذكرا لحال الهمزة المضمومة والعرب تعاف ياء مضمومة قبلها كسرة وأكثر القراء على ما ذهب إليه سيبويه ويقال هزىء واستهزأ بمعنى فهو كعجب واستعجب ومنه قول الشاعر أوس بن حجر (ومستعجب مما يرى من أناتنا * ولو زبنته الحرب لم يترمرم) الطويل
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»