المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٨٥
وقوله * (يقيمون) * معناه يظهرونها ويثبتونها كما يقال أقيمت السوق وهذا تشبيه بالقيام من حالة خفاء قعود أو غيره ومنه قول الشاعر (وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا * حتى تقيم الخيل سوق طعان) الكامل ومنه قول الشاعر (أقمنا لأهل العراقين سوق الططعان * فخاموا وولوا جميعا) المتقارب وأصل * (يقيمون) * يقومون نقلت حركة الواو إلى القاف فانقلبت ياء لكون الكسرة قبلها و * (الصلاة) * مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا كما أنه قال الشاعر (عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * يوما فإن لجنب المرء مضطجعا) البسيط ومنه قول الآخر (لها حارس لا يبرح الدهر بيتها * وإن ذبحت صلى عليها وزمزما) الطويل فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء وقال قوم هي مأخوذة من الصلاة وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي مع صلوي السابق فاشتقت الصلاة منه إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلي من الخيل وإما لأن الراكع والساجد صلواه قال القاضي أبو محمد والقول إنها من الدعاء أحسن وقوله تعالى * (ومما رزقناهم ينفقون) * كتبت مما متصلة وما بمعنى الذي فحقها أن تكون منفصلة إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد وأيضا فلما خفيت نون من في اللفظ حذفت في الخط والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق و * (ينفقون) * معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك قال ابن عباس * (ينفقون) * يؤتون الزكاة احتسابا لها قال غيره الآية في النفقة في الجهاد قال الضحاك هي نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر يسرهم قال ابن مسعود وابن عباس أيضا هي نفقة الرجل على أهله قال القاضي أبو محمد والآية تعم الجميع وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف سورة البقرة 4 - 5 اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»