المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٠٠
وعلى هذا ف ما في قوله * (ما حوله) * مفعولة وقيل أضاءت لا تتعدى لأنه يقال ضاء وأضاء بمعنى ف ما زائدة وحوله ظرف واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد نارا فقالت طائفة هي فيمن آمن ثم كفر بالنفاق فإيمانه بمنزلة النار إذا أضاءت وكفره بعد بمنزلة انطفائها وذهاب النور وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره إن ما يظهر المنافق في الدنيا من الإيمان فيحقن به دمه ويحرز ماله ويناكح ويخالط كالنار التي أضاءت ما حوله فإذا مات صار إلى العذاب الأليم فذلك بمنزلة انطفائها وبقائه في الظلمات وقالت فرقة إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار وانصرافهم إلى مردتهم وارتكاسهم عندهم كذهابها وقالت فرقة إن المنافقين كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في منزلة بما أظهروه فلما فضحهم الله وأعلم بنفاقهم سقطت المنزلة فكان ذلك كله بمنزلة النار وانطفائها وقالت فرقة منهم قتادة نطقهم ب لا إله إلا الله والقرآن كإضاءة النار واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها قال الجمهور النحاة جواب لما ذهب ويعود الضمير من نورهم في هذا القول على الذي ويصح شبه الآية بقول الشاعر الأشهب بن رميلة (وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد) الطويل وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الاختلاف المتقدم وقال قوم جواب لما مضمر وهو طفئت والضمير في نورهم على هذا للمنافقين والإخبار بهذا هو عن حال تكون في الآخرة وهو قوله تعالى * (فضرب بينهم بسور له باب) * الحديد 13 قال القاضي أبو محمد وهذا القول غير قوي وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو السمال في ظلمات بسكون اللام وقرأ قوم ظلمات بفتح اللام قال أبو الفتح في ظلمات وكسرات ثلاث لغات اتباع الضم الضم والكسر الكسر أو التخفيف بأن يعدل إلى الفتح في الثاني أو التخفيف بأن يسكن الثاني وكل ذلك جائز حسن فأما فعلة بالفتح فلا بد فيه من التثقيل اتباعا فتقول ثمرة وثمرات قال القاضي أبو محمد وذهب قوم في ظلمات بفتح اللام إلى أنه جمع ظلم فهو جمع الجمع والأصم الذي لا يسمع والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم فإذا فهم فهو الأخرس وقيل الأبكم والأخرس واحد
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»