المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥١٢
وقال ابن زيد * (قد خلت من قبلكم سنن) * معناه أمثال قال الفقيه الإمام هذا تفسير لا يخص اللفظة وقال تعالى * (فسيروا) * وهذا الأمر قد يدرك بالإخبار دون السير لأن الإخبار إنما يكون ممن سار وعاين إذ هو مما يدرك بحاسة البصر وعن ذلك ينتقل خبره فأحالهم الله تعالى على الوجه الأكمل وقوله * (فانظروا) * هو عند الجمهور من نظر العين وقال قوم هو بالفكر وقوله تعالى * (هذا بيان للناس) * أنه قال الحسن الإشارة إلى القرآن وقال قتادة في تفسير الآية هو هذا القرآن جعله الله بيانا للناس عامة وهدى وموعظة للمتقين خاصة وقال بمثله ابن جريج والربيع قال القاضي كونه بيانا للناس ظاهر وهو في ذاته أيضا هدى منصوب وموعظة لكن من عمي بالكفر وضل وقسا قلبه لا يحسن أن يضاف إليه القرآن وتحسن إضافته إلى المتقين الذين فيهم نفع وإياهم هدى وقال ابن إسحاق والطبري وجماعة الإشارة ب * (هذا) * إلى قوله تعالى * (قد خلت من قبلكم سنن) * الآية أنه قال ابن إسحاق المعنى هذا تفسير للناس إن قبلوه أنه قال الشعبي المعنى هذا بيان للناس من العمى ثم نهى عز وجل المؤمنين عن الوهن لما أصابهم بأحد والحزن على من فقد وعلى مذمة الهزيمة وآنسهم بأنهم * (الأعلون) * أصحاب العاقبة والوهن الضعف واللين والبلى ومنه * (وهن العظم مني) * مريم ومنه قول زهير (فأصبح الحبل منها واهنا خلقا *) البسيط ومن كرم الخلق ألا يهن الإنسان في حربه وخصامه ولا يلين إذا كان محقا وأن يتقصى جميع قدرته ولا يضرع ولو مات وإنما يحسن اللين في السلم والرضى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن هين لين والمؤمنون هينون لينون ومنه قول الشاعر المنخل الهذلي (لعمرك ما إن أبو مالك * بواه ولا بضعيف قواه) (إذا سدته سدت مطواعة * ومهما وكلت إليه كفاه) المتقارب وفي هذا الأسلوب الذي ذكرته يجري قول النابغة ولا تقعد على ضمد (إلا لمثلك أو من أنت سابقه *) وفيه يجري قول العرب إذا لم تغلب اخلب على من تأوله من المخلب أي حارب ولو بالأظافر وهذا هو فعل عبد الله بن طارق وهو من أصحاب عاصم بن عدي حين نزع يده من القرآن وقاتل حتى قتل وفعل المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح في يوم بئر معونة ومن رآه من معنى الخلب والخلابة الذي هو الخديعة والمكر فهو رأي دهاة العرب وليس برأي جمهورها ومنه فعل عمرو بن سعيد الأشدق مع عبد الملك بن مروان عند قتله إياه والأمثلة في ذلك كثيرة وأيضا فليس المكر والخديعة بذل محض ولذلك رآه بعضهم وأما قولهم إذا عز أخوك فهن فالرواية الصحيحة المعنى فيه بكسر الهاء بمعنى لن
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»