المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٢٣
(هما نفثا في في من فمويهما * على النابح العاوي أشد رجام) الطويل وقرأ جمهور الناس سنلقي بنون العظمة وقرأ أيوب السختياني سيلقي بالياء على معنى هو وقرأ ابن عامر والكسائي الرعب بضم العين حيث وقع وقرأ الباقون الرعب بسكون المعنى وهذا كقولهم عنق وعنق وكلاهما حسن فصيح وسبب هذه الآية أنه لما ارتحل أبو سفيان بالكفار بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال انظر القوم فإن كانوا قد جنبوا الخيل وركبوا الإبل فهم متشمرون إلى مكة وإن كانوا على الخيل فهم عائدون إلى المدينة فمضى علي فرآهم قد جنبوا الخيل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر وسر المسلمون ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتجهز واتبع المشركين يريهم الجلد فبلغ حمراء الأسد وأن أبا سفيان أنه قال له كفار قريش أحين قتلناهم وهزمناهم ولم يبق إلا الفل والطريد ننصرف عنهم ارجع بنا إليهم حتى نستأصلهم فعزموا على ذلك وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي قد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على كفره إلا أن خزاعة كلها كانت تميل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له والله يا محمد لقد ساءنا ما أصابك ولوددنا أنك لم ترزأ في أصحابك فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بما عزمت عليه قريش من الانصراف اشتد ذلك عليهم فسخر الله ذلك الرجل معبد بن أبي معبد وألقى بسببه الرعب في قلوب الكفار وذلك أنه لما سمع الخبر ركب حتى لحق بأبي سفيان بالروحاء وقريش قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما رأى أبو سفيان معبدا أنه قال ما وراءك يا معبد أنه قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم قد اجتمع إليه من كان تخلف عنه وندموا على ما صنعوا أنه قال ويلك ما تقول أنه قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل أنه قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم أنه قال فإني أنهاك عن ذلك والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه شعرا أنه قال وما قلت أنه قال قلت (كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل) (تردي بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا ميل معازيل) (فظلت عدوا أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول) البسيط إلى آخر الشعر فوقع الرعب في قلوب الكفار وقال صفوان بن أمية لا ترجعوا فإني أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان فنزلت هذه الآية في هذا الإلقاء وهي بعد متناولة كل كافر ويجري معها قول النبي صلى الله عليه وسلم (نصرت بالرعب مسيرة شهر) ويظهر أن هذه الفضيلة إنما أعلم صلى الله عليه وسلم بها بعد هذه الأحوال كلها حين امتد ظل الإسلام أنه قال بعض أهل العلم إنه لما أمر الله المؤمن بالصبر ووعده النصر وأخبره أن الرعب ملقى في قلوب الكفار نقص الرعب من كل كافر جزءا مع زيادة شجاعة المؤمن إذ قد وعد النصر فلذلك كلف المؤمن الوقوف للكافرين وقوله تعالى * (بما أشركوا) * هذه باء السبب والمعنى أن المشرك بالله نفسه مقسمة في الدنيا وليس له بالله تعالى ثقة فهو يكره الموت ويستشعر الرعب منه والسلطان الحجة والبرهان ثم أخبر تعالى بعاقبة الكفار في الآخرة
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»