المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٧٦
(وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل) الطويل فما حفظ أن أحدا من الناس نازع في هذا القول ومن آياته البينات زمزم في نبعها لهاجر بهمز جبريل عليه السلام الأرض بعقبه وفي حفر عبد المطلب لها آخرا بعد دثورها بتلك الرؤيا المشهورة وبما نبع من الماء تحت خف ناقته في سفره إلى منافرة قريش ومخاصمتها في أمر زمزم ذكر ذلك ابن إسحاق مستوعبا ومن آيات البيت نفع ماء زمزم لما شرب له وأنه يعظم ماؤها في الموسم ويكثر كثرة خارقة لعادة في الآبار ومن آياته الأمنة الثابتة فيه على قديم الدهر وأن العرب كانت تغير بعضها على بعض ويتخطف الناس بالقتل وأخذ الأموال وأنواع الظلم إلا في الحرم وتركب على هذا أمن الحيوان فيه وسلامة الشجر وذلك كله للبركة التي خصه الله بها والدعوة من الخليل عليه السلام في قوله اجعل هذا بلدا آمنا وإذعان نفوس العرب وغيرهم قاطبة لتوقير هذه البقعة دون ناه ولا زاجر آية عظمى تقوم بها الحجة وهي التي فسرت بقوله تعالى * (ومن دخله كان آمنا) * ومن آياته كونه بواد غير ذي زرع والأرزاق من كل قطر تجيء إليه عن قرب وعن بعد ومن آياته ما ذكر ابن القاسم العتقي رحمه الله أنه قال في النوادر وغيرها سمعت أن الحرم يعرف بأن لا يجيء سيل من الحل فيدخل الحرم قال القاضي أبو محمد هذا والله أعلم لأن الله تعالى جعله ربوة أو في حكمها ليكون أصون له والحرم فيما حكى ابن أبي زيد في الحج الثاني من النوادر مما يلي المدينة نحو من أربعة أميال إلى منتهى التنعيم ومما يلي العراق نحو من ثمانية أميال إلى مكان يقال له المقطع ومما يلي عرفة تسعة أميال ومما يلي طريق اليمن سبعة أميال إلى موضع يقال له أضاة ومما يلي جدة عشرة أميال إلى منتهى الحديبية أنه قال مالك في العتبية والحديبية في الحرم ومن آياته فيما ذكر مكي وغيره أن الطير لا تعلوه وإن علاه طائر فإنما ذلك لمرض به فهو يستشفي بالبيت وهذا كله عندي ضعيف والطير تعاين تعلوه وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جداره وتلك كانت من آياته ومن آياته فيما ذكر الناس قديما وحديثا أنه إذا عمه المطر من جوانبه الأربعة في العام الواحد أخصبت آفاق الأرض وإن لم يصب جانبا منه لم يخصب ذلك الأفق الذي يليه ذلك العام واختلف الناس في * (مقام إبراهيم) * فقال الجمهور هو الحجر المعروف وقال قوم البيت كله مقام إبراهيم لأنه بناه وقام في جميع أقطاره وقال قوم من العلماء مكة كلها مقام إبراهيم وقال قوم الحرم كله مقام إبراهيم والضمير في قوله * (ومن دخله) * عائد على الحرم في قول من أنه قال مقام إبراهيم هو الحرم وعائد على البيت في قول الجمهور إذ لم يتقدم ذكر الغيرة إلا أن المعنى يفهم منه أن من دخل الحرم فهو في الأمن إذ الحرم جزء من البيت إذ هو بسببه ولحرمته واختلف الناس في معنى قوله * (كان آمنا) * فقال الحسن وقتادة وعطاء ومجاهد وغيرهم هذه وصف حال كانت في الجاهلية أن الذي يجر جريرة ثم يدخل الحرم فإنه كان لا يتناول ولا يطلب فأما في الإسلام وأمن جميع الأقطار فإن الحرم لا يمنع من حد من حدود الله من سرق فيه قطع ومن زنى رجم ومن قتل قتل واستحسن كثير ممن أنه قال هذا القول أن يخرج من وجب عليه القتل إلى الحل فيقتل
(٤٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 ... » »»