يكون المعنى نفي القبول جملة على كل الوجوه ثم خص من تلك الوجوه أليقها وأحراها بالقبول كما تقول أنا لا أفعل لك كذا بوجه ولو رغبت إلي وباقي الآية وعيد بين سورة آل عمران 92 - 93 ذهب بعض الناس إلى أن يصل معاني هذه الآيات بعضها ببعض من حيث أخبر تعالى أنه لا يقبل من الموافي على الكفر * (ملء الأرض ذهبا) * آل عمران 91 وقد بان أنه يقبل من المؤمن القليل والكثير فحض على الإنفاق من المحبوب المرغوب فيه ثم ذكر تقرب إسرائيل عليه السلام بتحريم ما كان يحب على نفسه ليدل تعالى على أن جميع التقربات تدخل بالمعنى في جملة الإنفاق من المحبوب وفسر جمهور المفسرين هذه الآيات على أنها معان منحازة نظمتها الفصاحة المعجزة أجمل نظم وقوله تعالى * (لن تنالوا) * الآية خطاب لجميع المؤمنين وقال السدي وعمرو بن ميمون * (البر) * الجنة قال الفقيه الإمام وهذا تفسير بالمعنى وإنما الخاص باللفظة أنه ما يفعله البر من أفاعيل الخير فتحتمل الآية أن يريد لن تنالوا بر الله تعالى بكم أي رحمته ولطفه ويحتمل أن يريد لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبرارا إلا بالإنفاق المنضاف إلى سائر أعمالكم وبسبب نزول هذه الآية تصدق أبو طلحة بحائطه المسمى بيرحاء وتصدق زيد بن حارثة بفرس كان يحبها فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة ابنه فكأن زيدا شق عليه فقال له النبي أما إن الله قد قبل صدقتك وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية من سبي جلولاء وقت فتح مدائن كسرى على يدي سعد بن أبي وقاص فسيقت إليه وأحبها فدعا بها يوما وقال إن الله يقول * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * فأعتقها فقال الفقيه الإمام أبو محمد فهذا كله حمل للآية على أن قوله تعالى * (مما تحبون) * أي من رغائب الأموال التي يضن بها ويتفسر بقول النبي صلى الله عليه وسلم خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى الحديث وذهب قوم من العلماء إلى أن ما يحب من المطعومات على جهة الاشتهاء يدخل في الآية فكان عبد الله بن عمر يشتهي أكل السكر بالوز فكان يشتري ذلك ويتصدق به ويتلو الآية قال الفقيه الإمام أبو محمد وإذا تأملت جميع الطاعات وجدتها إنفاقا مما يحب الإنسان إما من ماله وإما من صحته وإما من دعته وترفهه وهذه كلها محبوبات وسأل رجل أبا ذر الغفاري رضي الله عنه أي الأعمال أفضل فقال الصلاة عماد الإسلام والجهاد سنام العمل والصدقة شيء عجيب فقال
(٤٧١)