وقوله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا) * معناه قولوا في دعائكم واختلف الناس في معنى قوله * (نسينا أو أخطأنا) * فذهب الطبري وغيره إلى أنه النسيان بمعنى الترك أي إن تركنا شيئا من طاعتك وأنه الخطأ المقصود قالوا وأما النسيان الذي يغلب المرء والخطأ الذي هو عن اجتهاد فهو موضوع عن المرء فليس بمأمور في الدعاء بأن لا يؤاخذ به وذهب كثير من العلماء إلى أن الدعاء في هذه الآية إنما هو في النسيان الغالب والخطأ غير المقصود وهذا هو الصحيح عندي قال قتادة في تفسير الآية بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطأها " وقال السدي لما نزلت هذه الآية فقالوها أنه قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قد فعل الله ذلك يا محمد قال القاضي أبو محمد فظاهر قوليهما ما صححته وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى * (يحاسبكم به الله) * البقرة 284 أمروا بالدعاء في دفع ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه وذلك في النسيان والخطأ والإصر الثقل وما لا يطاق على أتم أنواعه وهذه الآية على هذا القول تقضي بجواز تكليف ما لا يطاق ولذلك أمر المؤمنون بالدعاء في أن لا يقع هذا الجائز الصعب ومذهب الطبري والزجاج أن تكليف ما لا يطاق غير جائز فالنسيان عندهم المتروك من الطاعات والخطأ هو المقصود من العصيان والإصر هي العبادات الثقيلة كتكاليف بني إسرائيل من قتل أنفسهم وقرض أبدانهم ومعاقباتهم على معاصيهم في أبدانهم حسبما كان يكتب على أبوابهم وتحميلهم أنفسهم وقرض أبدانهم ومعاقباتهم على معاصيهم في أبدانهم حسبما كان يكتب على أبوابهم وتحميلهم العهود الصعبة وما لا طاقة للمرء به هو عندهم على تجوز كما تقول لا طاقة لي على خصومة فلان ولغير ذلك من الأمر تستصعبه وإن كنت في الحقيقة تطيقه أو يكون ذلك * (ما لا طاقة لنا به) * من حيث هو مهلك لنا كعذاب جهنم وغيره وأما لفظة أخطأ فقد تجيء في القصد ومع الاجتهاد أنه قال قتادة الإصر العهد والميثاق الغليظ وقاله مجاهد وابن عباس والسدي وابن جريج والربيع وابن زيد وقال عطاء الإصر المسخ قردة وخنازير وقال ابن زيد أيضا الإصر الذنب لا كفارة فيه ولا توبة منه وقال مالك رحمه الله الإصر الأمر الغليظ الصعب قال القاضي أبو محمد والإصرة في اللغة الأمر الرابط من ذمام أو قرابة أو عهد ونحوه فهذه العبارات كلها تنحو نحوه والإصار الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها والقد يضم عضدي الرجل يقال أصر يأصر أصرا والإصر بكسر الهمزة من ذلك وفي هذا نظر وروي عن عاصم أنه قرأ أصرا بضم الهمزة ولا خلاف أن الذين من قبلنا يراد به اليهود قال الضحاك والنصارى وأما عبارات المفسرين في قوله * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * فقال قتادة لا تشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا وقال الضحاك لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق وقال نحوه ابن زيد وقال ابن جريج لا تمسخنا قردة وخنازير وقال سلام بن سابور الذي لا طاقة لنا به الغلمة وحكاه النقاش عن مجاهد وعطاء وعن مكحول وروي أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة وقال السدي هو التغليظ والأغلال التي كانت على بني إسرائيل من التحريم ثم أنه قال تعالى فيما أمر المؤمنين بقوله * (واعف عنا) *
(٣٩٤)