المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٧
بني بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد إثر صلاة العصر عليهم جبب وأردية فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوهم ثم أقاموا بالمدينة أياما يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى ويزعمون أنه الله إلى غير ذلك من أقوال بشعة مضطربة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال وسيأتي تفسير ذلك وقرأ السبعة * (ألم الله) * بفتح الميم والألف ساقطة وروي عن عاصم أنه سكن الميم ثم قطع الألف روى الأولى التي هي كالجماعة حفص وروى الثانية أبو بكر وذكرها الفراء عن عاصم وقرأ أبو جعفر الرؤاسي وأبو حيوة بكسر الميم للالتقاء وذلك رديء لأن الياء تمنع من ذلك والصواب الفتح قراءة جمهور الناس قال أبو علي حروف التهجي مبنية على الوقف فالميم ساكنة واللام ساكنة فحركت الميم بالفتح كما حركت النون في قولك " من الله ومن المسلمين " إلى غير ذلك قال أبو محمد ومن أنه قال بأن حركة الهمزة ألقيت على الميم فذلك ضعيف لإجماعهم على أن الألف الموصولة في التعريف تسقط في الوصل فما يسقط فلا تلقى حركته قاله أبو علي وقد تقدم تفسير قوله * (الحي القيوم) * في آية الكرسي والآية هنالك إخبار لجميع الناس وكررت هنا إخبارا لحجج هؤلاء النصارى وللرد عليهم أن هذه الصفات لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى عليه السلام لأنهم إذ يقولون إنه صلب فذلك موت في معتقدهم لا محالة إذ من البين أنه ليس بقيوم وقرأ جمهور القراء * (القيوم) * وزنه فيعول وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعلقمة بن قيس القيام وزنه فيعال وروي عن علقمة أيضا أنه قرأ القيم وزنه فيعل وهذا كله من قام بالأمر يقوم به إذا اضطلع بحفظه وبجميع ما يحتاج إليه في وجوده فالله تعالى القيام على كل شيء بما ينبغي له أو فيه أو عليه وتنزيل الله الكتاب بواسطة الملك جبريل عليه السلام و * (الكتاب) * في هذا الموضع القرآن باتفاق من المفسرين وقرأ جمهور الناس * (نزل عليك) * بشد الزاي الكتاب بنصب الباء وقرأ إبراهيم النخعي * (نزل عليك الكتاب) * بتخفيف الزاي ورفع الباء وهذه الآية تقتضي أن قوله * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * جملة مستقلة منحازة وقوله * (بالحق) * يحتمل معنيين إحداهما أن يكون المعنى ضمن الحقائق من خيره وأمره ونهيه ومواعظه فالباء على حدها في قوله جاءني كتاب بخبر كذا وكذا أي ذلك الخبر مقتص فيه والثاني أن يكون المعنى أنه نزل الكتاب باستحقاق أن ينزل لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله تعالى أن يفعله فالباء في هذا المعنى على حدها في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام * (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) * المائدة 116 وقال محمد بن جعفر بن الزبير معنى قوله * (بالحق) * أي مما اختلف فيه أهل الكتاب واضطرب فيه هؤلاء النصارى الوافدون وهذا داخل في المعنى الأول و * (مصدقا) * حال مؤكدة وهي راتبة غير منتقلة لأنه لا يمكن أن
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»