المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٢
قول من قرأ وكتابه فليس كما تفرد المصادر وإن أريد بها الكثير كقوله تعالى * (وادعوا ثبورا كثيرا) * الفرقان 14 ونحو ذلك ولكن كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة كقولهم كثر الدينار والدرهم ونحو ذلك فإن قلت هذه الأسماء التي يراد بها الكثرة إنما تجيء مفردة وهذه مضافة قيل وقد جاء في المضاف ما يعني به الكثرة ففي التنزيل * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * إبراهيم 34 وفي الحديث منعت العراق درهمها وقفيزها فهذا يراد به الكثير كما يراد بما فيه لام التعريف ومنه قول ابن الرقاع (يدع الحي بالعشي رعاها * وهم عن رغيفهم أغنياء) ومجئ أسماء الأجناس معرفة بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة وقرأت الجماعة ورسله بضم السين وكذلك رسلنا ورسلكم ورسلك إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف رسلنا ورسلكم وروي عنه في رسلك التثقيل والتخفيف أنه قال أبو علي من قرأ على رسلك بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ومن خفف فكما يخفف في الآحاد مثل عنق وطنب فإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل وقرأ يحيى بن يعمر وكتبه ورسله بسكون التاء والسين وقرأ ابن مسعود وكتابه ولقائه ورسله وقرأ جمهور الناس لا نفرق بالنون والمعنى يقولون لا نفرق وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمر بن جرير ويعقوب يفرق بالياء وهذا على لفظ * (كل) * أنه قال هارون وهي في حرف ابن مسعود لا يفرقون ومعنى هذه الآية أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض وقوله تعالى * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * مدح يقتضي الحض على هذه المقالة وأن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر والطاعة قبول الأوامر و * (غفرانك) * مصدر كالكفران والخسران ونصبه على جهة نصب المصادر والعامل فيه فعل مقدر أنه قال الزجاج تقديره اغفر غفرانك وقال غيره نطلب ونسأل غفرانك * (وإليك المصير) * إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أنه قال له جبريل يا محمد إن الله قد أجل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل إلى آخر السورة سورة البقرة 286 قوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * خبر جزم نص على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلوب والجوارح إلا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر وتأول من ينكر جواز تكليف ما لا يطاق هذه الآية بمعنى أنه لا يكلف ولا كلف وليس ذلك بنص في الآية ولا أيضا يدفعه اللفظ ولذلك ساغ الخلاف
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»