تخفوه) معناه مما هو في وسعكم وتحت كسبكم وذلك استصحاب المعتقد والفكر فيه فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم فبين الله تعالى لهم ما أراد بالآية الأولى وخصصها ونص على حكمه أنه " لا يكلف نفسا إلا وسعها " البقرة 286 والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوسع بل هو أمر غالب وليست مما يكسب ولا يكتسب وكان في هذا البيان فرحهم وكشف كربهم وباقي الآية محكمة لا نسخ فيها ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ فإذ ذهب ذاهب إلى تقرير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم (قولوا سمعنا وأطعنا) يجيء منه الأمر بأن يبنوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع النسخ فيه وتشبه الآية حينئذ قوله عز وجل * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * الأنفال 65 فهذا لفظ الخبر ولكن معناه التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه ثم نسخ ذلك بعد ذلك وأجمع الناس فيما علمت على أن هذه الآية في الجهاد منسوخة بصبر المائة للمائتين وهذه الآية في البقرة أشبه شيء بها وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي فيغفر ويعذب جزما وقرأ ابن عامر وعاصم فيغفر) ويعذب رفعا فوجه الجزم أنه أتبعه ما قبله ولم يقطعه وهكذا تحسن المشاكلة في كلامهم ووجه الرفع أنه قطعه من الأول وقطعه على أحد وجهين إما أن تجعل الفعل خبرا لمبتدأ محذوف فيرتفع الفعل لوقوعه موقع خبر المبتدأ وإما أن تعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدمها وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو حيوة فيغفر ويعذب بالنصب على إضمار أن وهو معطوف على المعنى كما في قوله * (فيضاعفه) * البقرة 11 وقرأ الجعفي وخلاد وطلحة بن مصرف يغفر بغير فاء وروي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود أنه قال ابن جني هي على البدل من يحاسبكم فهي تفسير المحاسبة وهذا كقول الشاعر (رويدا بني شيبان بعض وعيدكم * تلاقوا غدا خيلي على سفوان) (تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى * إذا ما غدت في المأزق المتدان) الطويل فهذا على البدل وكرر الشاعر الفعل لأن الفائدة فيما يليه من القول وقوله تعالى * (ويعذب من يشاء) * يعني من العصاة الذين ينفذ عليهم الوعيد أنه قال النقاش يغفر لمن يشاء أي لمن ينزع عنه * (ويعذب من يشاء) * أي من أقام عليه وقال سفيان الثوري يغفر لمن يشاء العظيم ويعذب من يشاء على الصغير قال القاضي أبو محمد وتعلق بهذه قوم ممن أنه قال بجواز تكليف مالا يطاق وقال إن الله قد كلفهم أمر الخواطر وذلك مما لا يطاق قال القاضي أبو محمد وهذا غير بين وإنما كان أمر الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(٣٩٠)