المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٨
تأجرا إنما هي لنفسه فلا يراعى حيث وقعت ثم بين تعالى أن النفقة المعتد بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله هذا أحد التأويلات في قوله تعالى * (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) * وفيه تأويل آخر وهو أنها شهادة من الله تعالى للصحابة أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجه الله فهو خبر منه لهم فيه تفضيل وعلى التأويل الآخر هو اشتراط عليهم ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة ونصب قوله * (ابتغاء) * هو على المفعول من أجله ثم ذكر تعالى أن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين والمعنى في الآخرة ولا يبخسون منه شيئا فيكون ذلك أبخس ظلما لهم وهذا هو بيان قوله * (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) * والخير في هذه الآية المال لأنه اقترن بذكر الإنفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال ومتى لم يقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال نحو قوله تعالى * (خير مستقرا) * الفرقان 24 وقوله تعالى * (مثقال ذرة خيرا يره) * الزلزلة 7 إلى غير ذلك وهذا الذي قلناه تحرز من قول عكرمة كل خير في كتاب الله فهو المال سورة البقرة 273 هذه اللام في قوله * (للفقراء) * متعلقة بمحذوف مقدر تقديره الإنفاق أو الصدقة للفقراء وقال مجاهد والسدي وغيرهما المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم أنه قال الفقيه أبو محمد ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقر غابر الدهر وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر لأنه لم يكن هناك سواهم لأن الأنصار كانوا أهل أموال وتجارة في قطرهم ثم بين الله تعالى من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله * (الذين أحصروا في سبيل الله) * والمعنى حبسوا ومنعوا وذهب بعض اللغويين إلى أن أحصر وحصر بمعنى واحد من الحبس والمنع سواء كان ذلك بعدو أو بمرض ونحوه من الأعذار حكاه ابن سيده وغيره وفسر السدي هنا الإحصار بأنه بالعدو وذهب بعضهم إلى أن أحصر إنما يكون بالمرض والأعذار وحصر بالعدو وعلى هذا فسر ابن زيد وقتادة ورجحه الطبري وتأول في هذه الآية أنهم هم حابسو أنفسهم بربقة الدين وقصد الجهاد وخوف العدو إذا أحاط بهم الكفر فصار خوف العدو عذرا أحصروا به قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه هذا متجه كأن هذه الأعذار أحصرتهم أي جعلتهم ذوي حصر كما قالوا قبره أدخله في قبره وأقبره جعله ذا قبر فالعدو وكل محيط يحصر والأعذار المانعة " تحصر " بضم التاء وكسر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به وقوله * (في سبيل الله) * يحتمل الجهاد ويحتمل الدخول في الإسلام واللفظ يتناولها والضرب في الأرض هو التصرف في التجارة وضرب الأرض هو المشي إلى حاجة الإنسان في البراز وكانوا لا يستطيعون الضرب في الأرض لكون البلاد كلها كفرا مطبقا وهذا في صدر الهجرة فقلتم تمنع من الاكتساب بالجهاد وإنكار الكفار عليهم إسلامهم
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»