المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٣
عازب أيضا معناه ولستم بآخذيه لو أهدي إليكم * (إلا أن تغمضوا) * أي تستحيي من المهدي أن تقبل منه ما لا حاجة لك فيه ولا قدر له في نفسه قال القاضي أبو محمد وهذا يشبه كون الآية في التطوع وقال ابن زيد معنى الآية ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا في مكروهه وقرأ جمهور الناس إلا أن تغمضوا بضم التاء وسكون الغين وكسر الميم وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا وروي عنه أيضا تغمضوا بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشددة وحكى مكي عن الحسن البصري تغمضوا مشددة الميم مفتوحة وبفتح التاء وقرأ قتادة بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا أنه قال أبو عمرو معناه إلا أن يغمض لكم قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه هذه اللفظة تنتزع إما من قول العرب أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز فمن ذلك قول الطرماح بن حكيم (لم يفتنا بالوتر قوم وللذل * أناس يرضون بالإغماض) الخفيف وإما أن تنتزع من تغميض العين لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عنه عينيه ومنه قول الشاعر (إلى كم وكم أشياء منكم تريبني * أغمض عنها لست عنها بذي عمى) وهذا كالإغضاء عند المكروه وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الآية وأشار إليه مكي وإما من قول العرب أغمض الرجل إذا أتى غامضا من الأمر كما تقول أعمن إذا أتى عمان وأعرق إذا أتى العراق وأنجد وأغور إذا أتى نجدا والغور الذي هو تهامة ومنه قول الجارية وإن دسر أغمض فقراءة الجمهور تخرج على التجاوز وعلى تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض وعلى أنها بمعنى حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك إما لكونه حراما على قول ابن زيد وإما لكونه مهديا أو مأخوذا في دين على قول غيره وأما قراءة الزهري الأولى فمعناها تهضموا سومها من البائع منكم فيحطكم أنه قال أبو عمرو معنى قراءتي الزهري حتى تأخذوا بنقصان قال القاضي أبو محمد وأما قراءته الثانية بهذا مذهب أبي عمرو الداني فيها ويحتمل أن تكون من تغميض العين وأما قراءة قتادة فقد ذكرت تفسير أبي عمرو لها وقال ابن جني معناها توجدوا قد غمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم وجريتم على غير السابق إلى النفوس وهذا كما تقول أحمدت الرجل وجدته محمودا إلى غير ذلك من الأمثلة ثم نبه تعالى على صفة الغنى أي لا حاجة به إلى صدقاتكم فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر و * (حميد) * معناه محمود في كل حال وهي صفة ذات سورة البقرة 268 - 269
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»