المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٠
وأما المعنى الثاني فعلى أن يكون * (التعفف) * داخلا في المحسبة أي إنهم لا يظهر لهم سؤالا بل هو قليل وبإجمال فالجاهل به مع علمه بفقرهم يحسبهم أغنياء عفة ف " من " لبيان الجنس على هذا التأويل ثم نفى عنهم سؤال الإلحاف وبقي غير الإلحاف مقررا لهم حسبما يقتضيه دليل الخطاب وهذا المعنى في نفي الإلحاف فقط هو الذي تقتضيه ألفاظ السدي وقال الزجاج رحمه الله المعنى لا يكون منهم سؤال فلا يكون إلحاف وهذا كما أنه قال امرؤ القيس (على لا حب لا يهتدى بمناره *) الطويل أي ليس ثم منار فلا يكون اهتداء قال القاضي أبو محمد رحمه الله إن كان الزجاج أراد لا يكون منهم سؤال البتة فذلك لا تعطيه الألفاظ التي بعد لا وإنما ينتفي السؤال إذا ضبط المعنى من أول الآية على ما قدمناه وإن كان أراد لا يكون منهم سؤال إلحاف فذلك نص الآية وأما تشبهه الآية ببيت امرئ القيس فغير صحيح وذلك أن قوله على لا حب لا يهتدى بمناره وقوله الآخر (قف بالطلول التي لم يعفها القدم *) البسيط وقول الشاعر (ومن خفت من جوره في القضاء * فما خفت جورك يا عافيه) المتقارب وما جرى مجراه ترتيب يسبق منه أنه لا يهتدى بالمنار وإن كان المنار موجودا فلا ينتفي إلا بالمعنى الذي دخل عليه حرف النفي فقط وكذلك ينتفي العفا وإن وجد القدم وكذلك ينتفي الخوف وإن وجد الجور وهذا لا يترتب في الآية ويجوز أن يريد الشعراء أن الثاني معدوم فلذلك أدخلوا على الأول حرف النفي إذ لا يصح الأول إلا بوجود الثاني أي ليس ثم منار فإذا لا يكون اهتداء بمنار وليس ثم قدم فإذا لا يكون عفا وليس ثم جور فإذا لا يكون خوف وقوله تعالى * (لا يسألون الناس إلحافا) * لا يترتب فيه شيء من هذا لأن حرف النفي دخل على أمر عام للإلحاف وغيره ثم خصص بقوله * (إلحافا) * جزءا من ذلك العام فليس بعدم الإلحاف ينتفي السؤال وبيت الشعر ينتفي فيه الأول بعدم الثاني إذ دخل حرف النفي فيه على شيء متعلق وجوده بوجود الذي يراد أنه معدوم والسؤال ليس هكذا مع الإلحاف بل الأمر بالعكس إذ قد يعدم الإلحاف منهم ويبقى لهم سؤال لا إلحاف فيه ولو كان الكلام لا يلحفون الناس سؤالا لقرب الشبه بالأبيات المتقدمة وكذلك لو كان بعد لا يسألون شيء إذا عدم السؤال كأنك قلت تكسبا أو نحوه لصح الشبه والله المستعان وقوله تعالى * (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * وعد محض أي يعلمه ويحصيه ليجازي عليه ويثيب سورة البقرة 274 - 275
(٣٧٠)
مفاتيح البحث: سورة البقرة (1)، الخوف (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»