قال عبد الله بن عباس نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية وقال ابن جريج نزلت في رجل فعل ذلك ولم يسم عليا ولا غيره وقال ابن عباس أيضا نزلت هذه الآية في علف الخيل وقاله عبد الله بن بشر الغافقي وأبو ذر وأبو أمامة والأوزاعي وأبو الدرداء قالوا هي في علف الخيل والمرتبطة في السبيل وقال قتادة هذه الآية في المنفقين في سبيل الله من غير تبذير ولا تقتير قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه والآية وإن كانت نزلت في علي رضي الله عنه فمعناها يتناول كل من فعل فعله وكل مشاء بصدقته في الظلم إلى مظنة ذي الحاجة وأما علف الخيل والنفقة عليها فإن ألفاظ الآية تتناولها تناولا محكما وكذلك المنفق في الجهاد المباشر له إنما يجيء إنفاقه على رتب الآية وقال ابن عباس رضي الله عنه كان المؤمنون يعملون بهذه الآية من قوله * (إن تبدوا الصدقات) * البقرة 271 إلى قوله * (ولا هم يحزنون) * البقرة 274 فلما نزلت براءة بتفصيل الزكاة قصروا عليها وقد تقدم القول على نفي الخوف والحزن والفاء في قوله * (فلهم) * دخلت لما في * (الذين) * من الإبهام فهو يشبه بإبهامه الإبهام الذي في الشرط فحسنت الفاء في جوابه كما تحسن في الشرط وإنما يوجد الشبه إذا كان الذي موصولا بفعل وإذا لم يدخل على * (الذي) * عامل يغير معناه فإن قلت الذي أبوه زيد هو عمرو فلا تحسن الفاء في قولك فهو بل تلبس المعنى وإذا قلت ليت الذي جاءك جاءني لم يكن للفاء مدخل في المعنى وهذه الفاء المذكورة إنما تجيء مؤكدة للمعنى وقد يستغنى عنها إذا لم يقصد التأكيد كقوله بعد * (لا يقومون) * وقوله عز وجل * (الذين يأكلون الربا) * الآية * (الربا) * هو الزيادة وهو مأخوذ من ربا يربو إذا نما وزاد على ما كان وغالبة ما كانت العرب تفعله من قولها للغريم أتقضي أم تربي فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه ومن الربا البين التفاضل في النوع الواحد لأنها زيادة وكذلك أكثر البيوع الممنوعة إنما تجد منعها لمعنى زيادة إما في عين مال وإما في منفعة لأحدهما من تأخير ونحوه ومن البيوع ما ليس فيه معنى الزيادة كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وكالبيع ساعة النداء يوم الجمعة فإن قيل لفاعلها آكل ربا فبتجوز وتشبيه والربا من ذوات الواو وتثنيته ربوان عند سيبويه ويكتب بالألف قال الكوفيون يكتب ويثنى بالياء لأجل الكسرة التي في أوله وكذلك يقولون في الثلاثية من ذوات الواو إذا انكسر الأول أو انضم نحو ضحى فإن كان مفتوحا نحو صفا فكما أنه قال البصري ومعنى هذه الآية الذين يكسبون الربا ويفعلونه وقصد إلى لفظة الأكل لأنها أقوى مقاصد الإنسان في المال ولأنها دالة على الجشع فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله فاللباس والسكنى والادخار والإنفاق على العيال وغير ذلك داخل كله في قوله * (الذين يأكلون) * وقال ابن عباس رضي الله
(٣٧١)