أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ٦١
فليس في الوجود شيء من الفلك إلى الذرة ولا من دورانه إلى حركة واحدة إلا وهي موجودة بقدرته وعلمه ومصرفه بقضائه وحكمه فكل ما ترى بعينك أو تتوهمه بقلبك فهو صنع الله وخلقه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ولو شاء لجعل الكل ابتداء من غير شيء ولكنه سبب الأسباب وركب المخلوقات بعضها على بعض؛ فالجاهل إذا رأى موجودا بعد موجود أو موجودا مرتبطا في العيان بموجود ظن أن ذلك إلى الرابطة منسوب وعليها في الفعل محسوب وحاش لله بل الكل له والتدبير تدبيره والارتباط تقديره والأمر كله له ومن أبدع ما خلق النفس؛ ركبها في الجسم وجعلها معلومة للعبد ضرورة مجهولة الكيفية إن جاء ينكرها لم يقدر بما يظهر من تأثيرها على البدن وجودا وعدما وإن أراد المعرفة بها لم يستطع؛ فإنه لا يعلم لأي شيء ينسبها ولا على أي معنى يقيسها وضعها الله المدبر في البدن على هذا الوضع ليميز الإيمان به؛ إذ يعلم بأفعاله ضرورة ولا يوصل إلى كيفيته لعدمها فيه واستحالتها عليه؛ وذلك هو معنى قوله (* (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) *) [الذاريات 21] على أحد التأويلات ولها آثار يخلقها الباري في الشيء عند تعلقها به منها العين وهو معنى يحدث بقدرة الله على جري العادة في المعين إذا أعجبت منظرته العائن فيلفظ به إما إلى عرو ألم في المعين وإما إلى الفناء بحسب ما يقدره الله تعالى؛ ولهذا المعنى نهي العائن عن التلفظ بالإعجاب؛ لأنه إن لم يتكلم لم يضر اعتقاده عادة وكما أنفذ الباري من حكمه أن يخلق في بدن المعين ألما أو فناء فكذلك سبق من حكمته أن العائن إذا برك أسقط قوله بالبركة قوله بالإعجاب فإن لم يفعل سقط حكمه بالاغتسال وقد اعترض على ذلك الأطباء واعتقدوه من أكاذيب النقلة وهم محجوجون بما سطروا في كتبهم من أن الكون والفساد يجري على حكم الطبائع الأربع فإذا شذ شيء
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»