وهذا الإطلاق فيه نظر وسبيل التحقيق فيه أن نقول إن الأقوال المنصوص عليها في الشريعة لا يخلو أن يقع التعبد بلفظها أو يقع التعبد بمعناها فإن كان التعبد وقع بلفظها فلا يجوز تبديلها وإن وقع التعبد بمعناها جاز تبديلها بما يؤدي ذلك المعنى ولا يجوز تبديلها بما يخرج عنه ولكن لا تبديل إلا باجتهاد ومن المستقل بالمعنى المستوفى لذلك العالم بأن اللفظين الأول والثاني المحمول عليه طبق المعنى وبنو إسرائيل قيل لهم قولوا حطة أي اللهم احطط عنا ذنوبنا فقالوااستخفافا حبة مقلوة في شعرة [فبدلوه بما لا يعطى معناه] ولو بدلوه بما لا يعطى معناه جدا لم يجز فهذا أعظم في الباطل وهو الممنوع المذموم منهم ويتعلق بهذا المعنى نقل الحديث بغير لفظه إذا أدى معناه وقد اختلف الناس في ذلك فالمروي عن واثلة بن الأسقع جوازه قال ليس كل ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ننقله إليكم بلفظه حسبكم المعنى وقد بينا في أصول الفقه وأذكر لكم فيه فصلا بديعا وهو أن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة ومنهم وأما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى وإن استوفى ذلك المعنى فإنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث إذ كل أحد إلى زماننا هذا قد بدل ما نقل وجعل الحرف بدل الحرف فيما رواه فيكون خروجا من الإخبار بالجملة والصحابة بخلاف ذلك فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان أحدهما الفصاحة والبلاغة إذ جبلتهم عربية ولغتهم سليقة
(٣٥)