(* (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) *) فهذا سياق القول في المسألة إلى الآية فأما سائر الأقسام المقدمة فقد أوضحناها في أصول الفقه وبينا أنه لا حكم للعقل وأن الحكم للشرع ولكن ليس لهذه الآية في الإباحة ودليلها مدخل ولا يتعلق بها محصل وتحقيق ذلك أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه على طريق العلم والقدرة وتصريف المخلوقات بمقتضى التقدير والإتقان بالعلم وجريانها في التقديم والتأخير بحكم الإرداة وعاتب الله تعالى الكفار على جهالتهم بها فقال (* (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) *) [فصلت 91] فخلقه سبحانه وتعالى الأرض وإرساؤها بالجبال ووضع البركة فيها وتقدير الأقوات بأنواع الثمرات وأصناف النبات إنما كان لبني آدم تقدمة لمصالحهم وأهبة لسد مفاقرهم فكان قوله تعالى (* (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) *) مقابلة الجملة بالجملة للتنبيه على القدرة المهيئة لها للمنفعة والمصلحة وأن جميع ما في الأرض إنما هو لحاجة الخلق والبارئ تعالى غني عنه متفضل به وليس في الإخبار بهذه العبارة عن هذه الجملة ما يقتضي حكم الإباحة ولا جواز التصرف فإنه لو أبيح جميعه جميعهم جملة منثورة النظام لأدى ذلك إلى قطع الوصائل والأرحام والتهارش في الحطام
(٢٤)