مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل. روى أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصى ومعه ابنه فقال يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون فقال له: يا أبت أمكني من العصى فأخذ العصى من أبيه فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة فأوحى الله عز وجل: (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) (فلا تبتئس) فلا تحزن (بما كانوا يفعلون) فإني مهلكهم ولا منقذ منهم فحينئذ دعا نوح عليهم: (فقال يا رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا). وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه: أنهم كانوا يبطشون به فيخنقوه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا فشكا الله تعالى فقال: (رب رب ني دعوت قومي ليلا ونهارا) إلى أن قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دي ارا) فأوحى الله تعالى إليه: سورة هود (آية 37 38) (واصنع الفلك بأعيننا) قال ابن عباس: بمرأى منا. وقال مقاتل: بعلمنا. وقيل: يحفظنا. (وو حين ا) أي: بأمرنا. (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) بالطوفان قيل معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار فإني حكمت بإغراقهم وقيل: لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك الواعلة فإنهما هالكان مع القوم. وفي القصة أن جبريل أتى نوحا عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك فقال: كيف أصنع ولست بنجار فال: إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ وقيل: أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر. قوله تعالى: (ويصنع الف لك) فلما أمره الله تعالى أن يصنع الفلك أقبل نوح عليه السلام على عمل الفلك ولها عن قومه وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره وجعل قومه يمرون به وهو في عمله ويسخرون منه ويقولون: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة وأعقم الله أرحام نسائهم فلا يولد لهم ولد. وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يصنعه من أزور وأن يطيله بالقار من داخله وخارجه وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا والذراع إلى المنكب وأن يجعله ثلاثة أطباق سفلى ووسطى وعليا ويجعل فيه كوى ففعل نوح كما أمره الله عز وجل. وقال ابن عباس: اتخذ نوح السفينة في سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراع وطولها في السماء ثلاثون ذراعا وكانت من خشب
(٣٨٢)