تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٥٧
والرفث فإنما عنى به الجماع وقال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجال من النساء قال أهل التفسير كان في ابتداء الأمر إذا أفطر الرجل حل له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد قبلها فإذا صلى العشاء أو رقد قبلها حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى الليلة القابلة ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقع أهله بعدما صلى العشاء فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخطيئة إني رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ ما كنت جديرا بذلك يا عمر \ فقام رجال واعترفوا بمثله فنزل في عمر وأصحابه (أحل لكم ليلة الصيام) أي أبيح لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (هن لباس لكم) أي سكن لكم (وأنتم لباس لهن) أي سكن لهن دليله قوله تعالى (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقيل لا يسكن شيء إلى شيء كسكون أحد الزوجين إلى الآخر وقيل سمي كل واحد من الزوجين لباسا لتجردهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه وقال الربيع بن أنس هو فراش واجتماعهما لكم وأنتم لخاف لهن قال أبو عبيدة وغيره يقال للمرأة هي لباسك وفراشك وإزارك وقيل اللباس اسم لما يواري الشيء فيجوز أن يكون كل واحد منهما سترا لصاحبه عما لا يحل كما جاء في الحديث \ من تزوج فقدا حرز ثلثي دينه \ (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) أي تخونونها وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء قال البراء لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) (فتاب عليكم) تجاوز عنكم (وعفا عنكم) محا ذنوبكم (فالآن باشروهن) جامعوهن حلالا سميت المجامعة مباشرة لملاصقة بشرة كل واحد منهما صاحبه (وابتغوا ما كتب الله لكم) أي فاطلبوا ما قضى الله لكم وقيل ما كتب الله لكم في اللوح المحفوظ يعني الولد قاله أكثر المفسرين قال مجاهد ابتغوا الولد إن لم تلد هذه فهذه وقال قتادة وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم بإباحة الأكل والشرب والجماع في اللوح المحفوظ وقال معاذ بن جبل وابتغوا ما كتب الله لكم يعني ليلة القدر قوله (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) نزلت في رجل من الأنصار اسمه أبو صرمة بن قيس بن صرمة وقال عكرمة أبو قيس بن صرمة وقال الكلبي أبو قيس صرمة بن أنس بن صرمة وذلك أنه ظل نهاره يعمل في أرض له وهو صائم فلما أمس رجع إلى أهله بتمر وقال لأهله قدمي الطعام فأرادت المرأة أن تطعمه شيئا سخينا فأخذت تعمل له سخينة وكان في الابتداء من صلى العشاء ونام حرم عليه الطعام والشراب فلما فرغت من طعامه إذ هو به قد نام وكان قد أعيا وكل فأيقظته فكره أن يعصي الله ورسولهه فأبى أن يأكل
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»