مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٥٤٠
دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون) وقوله عز وجل (إنا هديناه السبيل - وهديناه النجدين - وهديناهما الصراط المستقيم) فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير والشر وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع وكذا قوله: (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة - إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء - ومن يؤمن بالله يهد قلبه) فهو إشارة إلى التوفيق الملقى في الروع فيما يتحراه الانسان وإياه عنى بقوله عز وجل: (والذين اهتدوا زادهم هدى) وعدى الهداية في مواضع بنفسه وفى مواضع باللام وفى مواضع بإلى، قال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم - واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط المستقيم) وقال: (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع) وقال: (هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) وما عدى بنفسه نحو: (ولهديناهم صراطا مستقيما - وهديناهما الصراط المستقيم - اهدنا الصراط المستقيم - أتريدون أن تهدوا من أضل الله - ولا ليهديهم طريقا - أفأنت تهدى العمى - ويهديهم إليه صراطا مستقيما).
ولما كانت الهداية والتعليم يقتضى شيئين: تعريفا من المعرف، وتعرفا من المعرف، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول وصح أن يقال هدى وعلم اعتبارا ببذله، فإذا كان كذلك صح أن يقال إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم، وصح أن يقال هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية. فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى:
(والله لا يهدى القوم الظالمين - والكافرين) وعلى الثاني قوله عز وجل: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال، هداه الله فلم يهتد كقوله: (وأما ثمود) الآية، وقوله: (لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء) إلى قوله:
(وإنها لكبيرة إلا على الذين هدى الله) فهم الذين قبلوا هداه، واهتدوا به، وقوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم - ولهديناهم صراطا مستقيما) فقد قيل عنى به الهداية العامة التي هي العقل وسنة الأنبياء وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول اللهم صل على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) وقيل إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات، وقيل هو سؤال للتوفيق الموعود به في قوله: (والذين اهتدوا زادهم
(٥٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 ... » »»
الفهرست